الأحد، 28 فبراير 2010

شبابيك

لأنهما أبناء عمومة، فإنها تستطيع أن تجلس معه منفردةً؛ ولأن البيت كذلك لا يخلو من رجلٍ تدب بين الفينة والأخرى. جلسا في تلك الغرفة الأرضية ببيت عمها بعد أن أيقظته من نومه. هب منزعجاً إلا أن أساريره انبسطت بعد أن استيقظ، فقد سألت عنه بعد فترة من الانقطاع. وحين تركها قليلاً ليدخل الحمام الأرضي فكَّرت:"كل مرة أنهار وآتي إليه، أسأل عنه او أجري اتصالاً به. لماذا هذه المذلة؟ سألتُه لماذا لا يكون هو من يسبقني إلي السؤال فرفض أن يجيب. أسرُ هذا؟ كل الناس يعرفون أننا لبعض. هل تحاولين مرةً أخرى جدياً في إنهاء العلاقة؟ ألا ترينه إلا إذا تذلل وقدم فروض الحب والإخلاص.... نعم أتركه وأبعد لأحقق ذاتي بعيداً عنه... إلي متي سأرتبط به، وأرهق أعصابي وأُكَدِّر معيشتي وأثهمل حياتي؟ سأتركه ... لكن ماذا لو رجعتُ ثانيةً على إثر ابتسامة أو كلمة حنان؟ ...لا أعرف!!"
وعندها دخل الغرفة بشكير لونه باهت يلفه حول عنقه. جلس أخرج تليفونه المحمول. كأنه تكلم بشئ (كانت سارحةً فلم ترد ولم تهتم)
- ليه مبتسئلش، ولا بترن عليا. الرنه بتوَّصل أنك فاكرني، علي الأقل في بالك يعني!
- قلت لك ما تكلمينيش في الموضوع دا تاني !
تنظر إلي الجزء الصغير المفتوح من الشباك، الذي يطل علي الشارع قائلةً:
- أنا مش عايزه غير انك تسأل عني زي مانا بسأل عليك. كلامك القديم عن الوفاء والإخلاص انتهي؟! ولا كان تزييف؟ خايفه تتحول علاقتنا إلي ما أكره!
- بالطبع لا ستبقي علاقتنا، ولكني أظن أن جذوة العلاقة ستنطفئ زي أي حاجة!
- أنا عطشانه -إيه؟ - عايزه أشرب
فتح الشباك، فتكلمت بصوت متقطع مقاوم لدموع في عينيها:
- كويس انك فتحتة اشباك عشان أعرف إن الدنيا واسعه مش بس الخطوتين دول اللي احنا قاعدين فيهم.
في أثناء كلامها تلوَّن وجهه ببسمه، ثم تقطيبه كأنه كان يهاب شيئاً وراء الكلام.
- المهم عامله إيه مرات عمي؟
- الحمد لله كويسه
يتحرك بهدوء.
- رايح فين - رايح اجيبلك الميه.
رجع ثانيةً، يغلق الشّاك، ونظر إليها وجدها ساهمة ومضي لعلي يحضر الماء.
"لم يعطني رأياً صريحاً. كيف يستحوذ علي قلبي هكذا، فلا أستطيع الفكاك؟ كيف اسهر الليالي واشتاق وأنا التي عاهدت نفسي مرارراً بأن يكون قلبي حراً كالنور الذي في السماء. لماذا ترتفع أغنية "شدي الضفاير" من راديو قريب الآن.
"يا مّايا يامّا شدي الضفاير .. لو قادرة يامّا تعصَبيها عصبيها وعصبيني .."
شريط مشاهده مواقف وحكايات مرت عليها سنين وأيام. يخطر ببالها الآن كيف كان يبكي عندما تحقق الدرجات العليا وتتفوق عليه حاعلةً والدية وجده يسخران منه، كيف حاول ان ينتقم منها بطريقته، وكأنها سبب تعاسته وحزنه. كانت أيام!
يدخل وفي يده كوب ماء.
- مين فتح الشباك
- إيه
- أنا قفلت الشباك قبل ما أخرج.
- أنت قفلته!
لم يكمل الكلام دورته في عقلها، إذ دخل ابن عمها الصغير سألته عن درجاته في نصف العام. وعندما خرج الصغير، ساد الصمت المكان، وازداد التوتر، ونظرت إليه وكأنها تكلمه تخيَّلَت حواراً بين العيون:
- " ياحبيب القلب، أنت القلب الطاهر الذي دخل غمار قلبي فاستحوذ علي بؤرته، واستحالت حياتي نوراً. لو تسأل عني كما أسأل عنك!! لِمَ اوصلتني لدرجة الشك في حبنا وفي كل شئ. آه لو أتناسي تلك النقطة. لكن من قال يقبل الذل خلاص وداعاً..."
- "مش هتقدري"
- "هتشوف"
***
بعد يومين غياب اضطرت أن تتصل به، فقد وصلت بها الأشواق مدىً. بعدها أخذت تُحَدِّث نفسها بين سخرية من الضعف وتسامح وصفاء وقلبٍ ابيض يقول :" وإيه يعني حياتي فِداه". ولكنها سرعان ما ترد علي نفسها :"لطالما عرفت أن الرجل هو الذي يسأل ويبادر والمرأة هي التي تتثاقل، خلاص فينيش، فينيتو....."
***
لم تزوره، لم تطلبه في الهاتف عاشت حياتها منفتحةً علي الحياة والناس تُكلِّم صديقاتها وجيرانها، تقرأ وترسم تلك الرسومات الساحرة التي طالما أعجبته وأغرته بالمحاولة. كان يخطر ببالها بين الحين والآخر، رغم طقوس النسيان التي أرهقتها، إلا أنها طاردته من تفكيرها. نصحتها زميلةٌ أن تسمح أسمه من سجل هاتفها – شريطة الا تكون متذكرةً الرقم. وبالفعل أمسكت بالهاتف المحمول لكنها أوشت إلي نفسها بأن تتمهل فهذا قرارٌ صعب. قررت أن تُكمٍل دراستها وأبحاثها. ذمّت شفتيها، أمسكت بالهاتف كتبت رقماً علي وريقة التقطتها من الأرض – لم تختار إحدي الأوراق المتكدسة علي المكتب. وأرسلت إليه رسالة :"للأسف فإن الشباك انفتح، ولن يغلق مرة أخرى، وداعا" بعد قليل سوف تمسح نفس الرقم وتمزق الوريقة، وتغمض جفنيها وقد ارتسمت بسمة عريضة على شفتيها. تنظر في الساعة، "الوقت متأخر، أريد أن أنام لدي ميعاد غداً في الثامنة مع المشرف