السبت، 6 مارس 2010

شبابيك 2



شبابيك (2)
لم  أعرف أن العالم أوسع من تلك الغرقة الضيقة التى تقتلها الرطوبة، حيث ينام محبوبي -- وقد اعتلت طبقة من الدهن والعرق وجهه، وأن قلوب الخلق أكثر رحابةً من  قلب محبوبي الضيق الذي يتصعد حرجاً كلما سألته متي سوف يتكلم مع أبي -- عمه؛ نسيت أني دون بنات العيلة توفي والدي وأنا في اللفة، يتكلم مع أخي عنا. أخبرته للمرة الأخيرة وقتها وها أنا أعود كالكلبة العرجاء أجر رجلاً لتثبت الأخري. لكنى فعلت ذلك كي أكون في براءة من عتابه الذي سيكون أ لكأنى أبرئ قلبي. أنا التى عاهدت نفسي للمرة الأخيرة الا أزور بيتهم أو أهاتفه. لكن اللقاء كان علي أرض محايده بيت عمي صلاح في الدور الذي يليهم!
 لم أكن لأنسي رقم هاتفه خانتني ذاكرتي اللعينة الشمطاء وتذكرت رقمه الذي أرسلت له رسالة العصيان الأخيرة، قبيل شهر. أمسكت بالهاتف وأرسلت له رساله أني ها هنا وأريد مقابلته لأنى سأغادر إلي القاهرة، إلي بيتنا في القاهرة، الذي لم نتركه منذ وفاة أبي إلا في الأجازات. أحضرت زوجي عمي كوبي ليمون لي ولها وتحدثت كأنها تعرف كل شئ. لن يستطيع صدقيني أنه يتبع أوامر تلك السوسة - أمه. لم تمر خمس دقائق بينما أفكر في كلمات زوجة عمي. أتي يعلوه البشر – طبعاً فقد اقتنص نصراً آخر – آه رغم أنه هكذا أبله لا يدري كم أحبه وكم أخبئ له من سعادة في جفوني وعظامي. حدثني عن ظروفه مباشرة وهو يشرب الليمون الذي تركته امرأة عمي حالفةً أن يتناوله بدلاً منها فهناك كوب آخر في المطبخ ستأتى به. عن الأسمنت حدثني عن الحديد كلمنى عن الجدار العازل كلمنى عن مساحة الأرض الضيقة وأسعار الأرض المرتفعة عن أخوته الذي يتولي الإنفاق عنه حدثني عن عن ابيه المريض كلمنى عن ذكرياتنا حدثني عن الحب عن نخلات عمي صلاح التي كان يضربها بالحجارة ويأتى لي بالبلح الذي بدأ في الاحمرار والاصفرار عن اجازتى التي كنت آتي إلي الصعيد فيطير فرحاً ويترك الأولاد في ألعابهم ويخصص وقته كله لي في النهار يأتى لي بالبلح ويقتنص ابستامة وشكر. عن ضفائري التي غطاها الحجاب بعد ان كبرت قليلاً. عن والدي الي يحبه ويزوره ويقرأ له الفاتحة في كل جنازة يذهب إليها حدثني عن بنطلونات الجينز التي كنت أرتديها عن التي شيرت الأصفر زي الكم الطويل، عن الحرفين الذين كتبتهما علي بيت عمي صلاح لطالما نظر إليهما. في غدوه ورواحه. عن تعذر ذهابه إلي القاهرة لن الحال لا يختلف كثيراً. عن الإيجار الجديد حدثته ليرد بعد قليل بمكر عن السنوات الحرجه حتي ينهي أخويه الكبار تعليمهما. لكي يتفرد لنفسه. ودخلت مريم زوجة عمي صلاح وقد ضربت علي رجلينا وقالت كلماتها وهي تضحك: " عارفاكم يا خولات أنا"—مشيرة إلي أنها تعرف عن علاقتنا منذ زمن. تلك القصيرة المكيرة أتراها تلعب لحساب ابنتها التي طالما كانت تقلدني في لبسي وكلامي مقتنصة كلماتى باللهجة القاهرية لا أعرف!!
هذا التليفزيون المزعج يعرض حفلةً لمنير "شبابيك ...شبابيك، الدنيا كلها شبابيك وسهر والحكاية والحواديت كلها دايره عليك، الكلام كان كان عليك واللى كان عليك انتهى من بين إيديك...." هذا الشباك الذي يطل علي بلكونة بيت عمي يأتى بهواء ربيعي يدغدغ سخونة خدي التي أعرف أنها احمرت أنظر إلي ملاكي اللعين.
 "غيرت ياما كتير ،
 ياما كتير أحوالي وأنا كنت عاشق،
 وعاشق وكان يحلالي،
 أحب بس يكون حلالي ورا الشبابيك"
لن أذرف الدمع أمامه حتمال أن الأقدار شاءت لنا بالفرقة. بالفعل ظروفه هكذا. ماله ولأخوته! مالك ولأخوتك يا ملاكي للبيت رب يحميه أما أنا فمن يحميني هل أتجوز أحدهم ...سائقي التوك توك والميكروباصات والتاكسيات الذين يعاقرون الحشيش في اصطباحاتهم. هل أتزوج ممن لا أعرفه؟ مبهم وغامض. كيف أضع شفتي علي شفته كيف أعانقه، كيف نجري معاً، ونضحك ونتداعب وليس لي معه ذكريات، لم يأتيني ببلح الصبا لم أفرح للقياهم في الإجازات الدراسية لم أكتب له حرفين علي الباب. أم أتزوج من هؤلاء المعقدون نفسياً وجنسياً الذين يفوقونى في السن..الملتحون القادمين بثقافة الخليج المتأسلمة، وقد رأوا الفلبينيات والهنديات وغيرهن يبعن أجسادهن في الطرقات -- لقاء دينارات بخسأ فشككن حتي في امهاتهن. من جار لنا يدهن الدوكو. ممن ليس معي ذكريات معهم يا ملاكي لم يحضروا لي "ماسة في حجم فندق الريتز" لأكتب في آخر صفحة "قل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً قد كاد يقتلني بك التمثال".
"أنا بعت الدموع.. الدموع والعمر
 طرحت جنايني في الربيع الصبر،
قلت انا عاشق سقونى كتير المر"
، لِمَ تكررها يا منير وأنا أقاوم نزيف الدموع قبل ان أترك كوب الليمون وقد وليته ظهري. واستاذنت زوجة عمي. وتركته يركض علي السلم خلفي وأنا مسرعة للأسفل.
"