السبت، 7 أغسطس 2010

جزء من "الشَّج" -- عبد السلام زارع

علاقتي بأحمد مروان برجماتية محضة يتخللها نفاق حين أفكر في الأمر لماذا أفعل ذلك؟ أكاد أصدق وفائي الذي أظهره إياه، فما كان وفائي إلا من أجل قطعة كيك أكبر...وهاأنذا في حسابات المحل في حال أفضل. هذا زمن المسخ على أن أتمرغ مع تلك القطط العرجاء التي تترنح في الطرقات مع تلك الأشباح القذرة لأصل نحو الكمال الذي أبغيه...وأكون كما شئت. حين ألتقي بحسان وشريف تتلقي أفكارنا في العبث. الكون بحيرة خراء. صندوق قمامة من الذل، مائدة رحمن مما تبقي فينا من نخوة، طابور انتظار لسلاطين الإنفشاخ...قُسمنا طبقات لكي نمسح الجوخ للآخرين ونعبد آخرين دون الله هكذا أراد المخرج وعلينا إتباع السيناريو لا نحيد ولا نميل، سيناريو مكرر ومقيت، النساء أسوأ ما في الكون لو تسني لي رسمها لرسمتها شجًّا يفوح منه الزرنيخ والصديد...الزط هو الحل..كي يستريح الجميع. أنا حقير ولكني أقل حقارة من الجميع إذا فأنا الأفضل. أنا ونيس المظلومين أنا روبين هود..,أنا وحسان وشريف والعالم بعد ذلك خراء..أصدقائي للأبد....ما رأيكم ليس هناك عمل في الغد ...موافقون؟ - نقول هكذا كي نطمئن أن ليس هناك ثمة قيود- وحين نغب من كاس الحياة ومزتها يوصي أحدنا الآخر بالصلاة والزكاة ما كان حيًا.

أميل على حسان وأنا في نشوة الخمر "وبعد يا صديقي..أبو بكر وعمر ماذا نفعل بهما؟" يرد على:"نغلق قلبينا عليهما ولا نخرجهما إلي هذا العالم القذر"...ألا تشم هذا النتن يا عبد السلام لو ركزت في رائحة العطر لوجدته نتِنًا..آه يا عبد السلام. خيرٌ لنا أن نموت بعيدًا في جزيرة بعيدة أو نلقى جيفًا إلى حيتان البحر على أن نعيش في وطن كهذا..تعبت من هذا العبث اليومي أخباري التي أقدمها كتاباتي التي أكتبها لا شئ القرآن الذي يقرأه المقرئ من إذاعة القرآن الكريم في الصباح لا شئ لا احد يعتبر لا سائق التاكسي، ولا موظف المرور ولا ذلك الموظف المتخم من الرشاوى ولا القاضي الذي يضع آية مزخرفة ولا صاحب المكتب الذي يضع المعوذتين وراءه كي يطرد الحاسدين باسم الرب ويمص دم الموظفين باسم الرب أيضًا....هل يمكن أن أكون نبيًا وسط قوم كهولاء. إنني أستحي من أقول أنا عربي...لا أرددها بين نفسي... إذا كنا بذلك السوء بعد نزول الدين فينا فكيف لو مكثنا كما نحن؟ نحن مثل دمية يركلنا العالم أجمع حتى إفريقيا تركلنا يا ابن زارع باسم إسرائيل..إسرائيل تعين لنا رؤساءنا وتحبل لنا نساءنا، إسرائيل صارت قوة إلهية عصية تطال أقواتنا وماءنا، نخلنا وتراثنا وقرآننا وقمحنا وعلماءنا وتغتال أي نبتة خير فينا، صرنا لا نحتاج إلي مؤامرة يا صديقي غربية أو شرقية أو ماسونية نحن نسير تلقائيًا في خطة محتومة النهاية نحو الزوال" شريف أبسط من هذا حين يسمعنا نتكلم في السياسة يحرك يده أمام وجهه كأنه يهش عنه الذباب ويرفع الكأس. يسألني الله بداخلي ما الذي دفع بك إلى الخمر وقد كنتَ منه براء؟ أما تخاف ألا تذوقها في الجنة؟ يا ربي أنا لم أخلق للخمر ولا للنساء أنا خلقت كي أنام قريرًا وأنا مطمئن أن أحدا لن يقلب جيوبي أو ينزع عني بنطالي كي يفرغ فيَّ أو أفرغ فيه ما تيسر من شهوة، أريد أن أعيش في سلام أو أن أموت في سلام. لماذا خلقتهم كلاب ينهشون جسدي ينزعون عنى أغلفة البراءة التي وضعتها بلطف علىّ، أنا الذي حلمت بأن أموت لأجلك، لأجل أن يؤمن بك آخرون...إنها غفوة يا ربي سأعود إليك، فقط لا تعاود علىًّ نهشات الكلاب بين الضلوع. شريف سيفيق من شروده..."وأتوهن من الخلف، هو خير لكم صدقوني هن يطلبن مني ذلك"...كانت مفاجئة فهو يدرأ عنه شبه الغلمان وها هو يسير في طريق الغلمنة ولكن مع العانسات!! ما أبشعه من طريق لعانس، ضحكنا امتلأت الصالة الفسيحة بضحكاتنا واستفاض في الحديث لكن ما لبث أن أوجعنا الكلام حين ارتدننا نبلع الضحكة في حلوقنا. ما أمَّر حزن أولادك يا وطن. هل هناك وطن غير هذا يأكل بنيه. يستمر الضحك والنزف ونرجع نجر نير الثيران في دورتها اللانهائية بين عرق المترو والمواصلات وذوي العاهات والشحاذين والسفهاء والمقهورين...هناك مليون سبب لأعيش حياة العبث فيك يا وطن الخرافة. لن يحرسك أبو الهول من اللصوص سيعبثوا بإليتيه ويبصقوا عليه دون أن يتحرك.

الخميس، 22 يوليو 2010

جزء من رواية "الشّج"

شريف..شريف الحمار..ابن الكلب أحب لماذا يا بن الشمطاء ألا تعرف أن هناك إكسيرًا أبديًا ضد السعادة هنا، ألقى به واحدًا ممن عَبَر مع موسي في البحر، لماذا يا بن الشمطاء.... قرأنا الخبر في الصحف "شاب يشنق نفسه على كوبري قصر النيل بعد أن فشل في الجواز من حبيبته" لم أكن أعلم شيئًا عن ذلك، كان قليل الكلام -ابن الشمطاء- كثير الفعال لا يتشدق بكلام السياسة مثلى ومثل حسان وملايين من المدّعين غيرنا، لكنه كان بين الصفوف التي تندد بقانون الطوارئ، يخرج بين الصفوف يندد باتفاقيات التطبيع صوته يأز كالرصاص، وضعوا له العصا فأبي أن يتوب، انهالوا عليه بالشوم فأبى إلا أن يحب الطين. لم أعرف عنه ذلك إلا من زميله في العمل "يسري كمال" التقيت به في العزاء....آه يا وطن الخرافة تأكلنا واحدًا تلك الآخر ليعبث شذاذ الأرض في مؤخرتك... أبوها الأحمق رفض تزويجها له بعد أن تقدم لها ثلاث مرات. كثيرات هن يا صديقي... كن كثيرات عرفت الكثير وأعطين لك الوجه والظهر تقبل وتعبث. لكنك تبت عن كل هذا في الوقت الخطأ وفي الزمان الخطأ. تعرفهن أكثر منا. من المؤكد أنها لن تذرف دمعة إلا أمام شاشات التلفاز، حين يلتقي بها مخنثًا فضائيًا في برامج التوك شو..منتشية بإلوهيتها والقرابين التي تلقي بين يديها، كثيرات هن. هذا الوطن ليس وطنك إنه وطن المطبعين..وطن المخنثين. لِمَ أجهدت جسدك الشمعي؟ أما كفاك التهوين على العانسات؟...نعم لم تك بالخاطئ أنت مخلص من طراز عصري، تشعل اللفافات للهائمين -بسيجارة شحاته- دون عود ثقاب، وتشتري المناديل بضعف ثمنها، تنثر الجنيهات بين أيدي العجائز وتقول أعطيه لو كان راكبًا على فرس. اذهب يا شريفًا إلي السماء إننا هاهنا قاعدون كشذاذ الأرض يحرسنا اللصوص والزناة في ماخور الوطن.
مرتضي كاتوزيان...فنان إيراني

الأحد، 6 يونيو 2010

قالت لي العصافير "2


قالت لي العصافير 2



أنقل ما يدور في ذهني بلا تنسيق



تجتاحني بين الفينة والأخرى أفكار وأسئلة وجودية تدفعني للقول بالعدم. على الفور أهرول إلى ديوان الناس في بلادي وأفتح القصيدة التي تحمل اسم الديوان (الذي أعتبره أفضل دواوين صلاح عبد الصبور على الإطلاق)...القصيدة تحمل سؤالاً وجوديًا أعتبره جدير بنا أن نسأله :



"ما غاية الإنسان من أتعابه، ما غاية الحياة؟
يا أيها الإله!!"

والوجودية Existentialism مذهب فلسفي يعتبر هيدجر وسارتر فلاسفته المؤسسين وازدهرت الوجودية بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لما حدث من أهوال ...مئات الآلاف من القتلى وآلاف القرى والمدن التي هدمت على رؤوس ساكنيها...تساءل الناس في أوروبا "هل الله موجود؟" "هل إذا كان موجود كان سيحدث كل هذا؟"...فاجتاحت أوروبا فكرة "موت الإله" التي تحدث عنها نيتشه في كتابه الأشهر"هكذا تكلم زراديشت". وتتابعت الكتابات الوجودية في أوروبا في الأربعينيات وما تلاها....كانت أكثر الأفكار التي جذبتني في رواية "عصر الملائكة" "The Time Of the Angels" درستها لكاتبه اسمها Iris Murdoch – قامت كينت وينسليت بدورها في فيلم عن "إيرس ميردوك" يحمل اسم "Iris" يقول الكاتب الإنجليزي A.E.Wilson كتابا عنها أعتبر "ليست سيرة ذاتية bigraphy ولكن anti-biography " فقد انتقدها بوقاحة على حد تعبير صحيفة الجارديان فقد قال أنها أي إيرس ميردوك " thrived on acts of betrayal", was cruel, and was "prepared to go to bed with almost anyone"."لقد ازدادت خياناتها وكانت قاسية وكانت على استعداد لمعاشرة أي شخص تقريبًا "**يذكرني هذا بنكته عن الملكة نازلي أم الملك فاروق زوجة الملك فؤاد - الذي كان يعاملها بقسوة في حياته - تقول النكته أن الملكة نازلى أصيبت بالحصوي لأنها نامت مع طوب الأرض" .." تتكلم الرواية في جو ما بعد الحرب عن قس كان من أشد المؤمنين ثم انتابته حالة وجودية فصار منعزلاً منطويًا يعتقد بوجود قس دون إله. يعاشر ابنة أخيه المعاقة- التي هي في الحقيقة ابنته من امرأة أخيه المتوفي! الرواية تتحدث عن ثلاثة أخوة لهم رؤي مختلفة...مسرح يخسر فيه الجميع. تقول الرواية أن الإله هو – بالأحرى كان - "الخير" "good" فلما مات الإله أخذ كل ملاك مفهوم الحق والخير من وجهة نظره، لذا صار هناك خير متعدد وشر متعدد. أي ما يراه أحدنا منتهى الشر يمكن أن يراه الآخر عين الحق والخير. أما صلاح عبد الصبور لم يقل بموت الإله. إنما هي أسئلة كالتي يسألها الطفل "ما غاية الحياة" "طالما هناك موت، لماذا الحياة" وفي جميع قصائد الديوان تجتلي فكرة الموت المسيطرة على الشاعر ذلك الموت الذي لا يفرق بين من تمتلئ غرفه بالذهب اللماع والذين يلبسوا جلاليب الكتان القديمة:



"وأربعون غرفة ملئت بالذهب اللماع
وفي مساءٍ واهن الأصداء جاءه عزريل
يحمل بين يديه دفترًا صغيرًا
ومد عزريل عصاه
بسر حرفي ''كن'' بسر لفظ كان
وفي الجحيم دحرجت روح فلان..............
...................................................
بالأمس زرت قريتي ، قد مات عمى مصطفي
ووسدوه في التراب
لم يبتن القلاع (كان كوخه من اللبن)
وسار خلف نعشه القديم
من يملكون مثله جلباب كتان قديم"

ورغم رد الفعل تجاه "الموت":

"كم أنت قاس ٍِ موحش أيها الإله"
.....................................
"وعند باب القبر قام صاحبي خليل
حفيد عمى مصطفي
وحين مد للسماء زنده المفتول
ماجت على عينيه نظرة احتقار
فالعام عام جوع"!!





















إلا أن الناس في بلادي رغم الفقر والجوع والموت
".....جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر
وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب
خطاهمو تريد أن تسوخ في التراب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشئون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود
ومؤمنون بالقدر"




















وتمضي فترة بي أسائل نفس الأسئلة التي يطرحها عم مصطفي، مستمعا إلى أقاصيصه التي كان يحكيها

وعند باب قريتي يجلس عمى "مصطفي"
وهو يحب المصطفي
وهو يقضّى ساعة بين الأصيل والمساء
وحوله الرجال واجمون
يحكى لهم حكاية.. تجربة الحياة
حكاية تثير في النفوس لوعة العدم
وتجعل الرجال ينشجون
ويطرقون
يحدقون في السكون
في لجة الرعب العميق، والفراغ، والسكون
ما غاية الإنسان من أتعابه، ما غاية الحياة؟"

ثم أنتقل إلي قصيدة أخري "زمن السأم" لعبد الصبور تنخس دماغي بعبثية الحياة وعدميتها وعقمها
فـــــ"هذا زمن السأم
نفخ الأراجيل سأم
دبيب فخذ امرأة مابين إليتي رجل
سأم
لا عمق للألم
لأنه كالزيت فوق صفحة السأم
لا طعم للندم
لأنهم لا يحملون الوزر إلا لحظة
ويهبط السأم
يغسلهم من رأسهم إلى القدم
طهارة بيضاء تنبت في مغاور الندم
تدفن فيها جثث الأفكار والأحزان
ترابها
يقوم هيكل الإنسان
إنسان هذا العصر والأوان"
فيمر علىّ شبح شكسبير مرتديًا رداء هاملت قائلاً
"How weary, stale, flat and unprofitable seems to me all the uses of this world"

"لشد ما تبدو تقاليد هذا العالم بالية عتيقة، لا تستساغ ولا تجدي نفعا فما أحقر الدنيا"

يقبل شبح أمل دنقل فيصيح كأنني كنت أتحدث معه منذ زمن"

إن تكن كلمات الحسين
و سيوف الحسين
و جلال الحسين
سقطت دون أن تنقذ الحقّ من ذهب الأمراء
أفتقدر أن تنقذ الحقّ ثرثرة الشعراء *
و الفرات لسان من الدم لا يجد الشفتين ؟ !
***
مات من أجل جرعة ماء
فاسقني يا غلام صباح مساء
اسقني يا غلام ..
علّني بالمدام ..
أتناسى الدماء !

* يقصد بالشعراء...كما أفهم الحكماء والفلاسفة والمفكرين وكل آخر "مفكر"

لكن نجيب سرور له رأي آخر يري مقتل عمر بن الخطاب على يد ابن لؤلؤة المجوسي بداية المشاكل وليس خلاف "على" و"معاوية" يخرج من ركن مظلم لينير كوني الصغير وينشدني:

"لو أن ابن الخطاب التفت وراءه ..
لاهتز المسجد رعباً .. سقط الخنجر ..
من سروال القاتل في أرض المسجد ..
لكن ابن الخطاب يصلى ..
ويؤم صلاة .. ويكبر ..
ويقول << .. الكلمة >>
والوجه الى المحراب ..
والقلب .. العين .. هنالك في ملكوت الله ..
والكهان القتلة خلفه **..
والصف وراء الصف كما لو ..
أنهمو حقاً جاءوا لصلاة ..
جاءوا في الأقنعة كما جاء الخنجر ..
بجراب القاتل لؤلؤة وبالسروال ..
جاءوا في الموعد مع سبق الرصد .. مع الإصرار ..
كان الإجماع على الطعنات المسمومة ..
في جه الظهر .. !



-- أمثال ابن الخطاب لهم أعين - ووجوه حتى في الظهر .. - أمثال ابن الخطاب يرون
الكون - في غمضة عين حتى لو كانوا عميانا - أمثال ابن الخطاب يرون الله الكلمة -
الإنسان الحكمة فيرون الكل .. - ولهذا كان ابن الخطاب يرى - من تحت السروال الخنجر
-ويرى القتلة - من آخر كوهين في آخر صف - ولهذا ما التفت وراءه - فهو يصلى -
ويؤم صلاة .. ويكبر - ويقول الكلمة .. - والكلمة أبدا لا تسقط - من طعن الخنجر -
الكلمة عهد مربوب ومقدر - مكتوب ليتم المكتوب - لا تجبن أبدا للشهداء أمام الموت قلوب
-وإلى الله الكلمة تصعد - حين تكون من الكلم الطيب - لو أن ابن الخطاب التفت وراءه -
وأدار إلى المحراب الظهر - وتملى في الكهان قليلا - في الصف وراء الصف - وعلى
لؤلؤة القاتل ثبت نظرة صقر - لتغير وجه التاريخ وظهره .. - هذا جائز - لكن ما الجدوى
والكلمة - في هذا الجائز ما تمت ؟! – يا لؤلؤة الأعمى - إطعن ظهر ابن الخطاب المبصر -
اطعن .. اطعن .. اطعن .. - وسيقتلك القتلة - كى لا تفشى السر .. - اطعن فابن الخطاب
» .. - الكلمة » القديس - لن يلتفت وراءه - فهو يصلى - ويؤم صلاة ويكبر - ويقول
يابندر أين ابن الخطاب .. – يا مذبح كل الشهداء – يا مأوى كل الشعراء – يا مسرح كل
الكهان - والخصيان - واللوطيين - بروح أو جسد أو بالفكر - ألحق أقول لكم .. - ألشك
اليوم يقين للشرفاء - ألمذبوحين المنفيين المنسيين - والغرباء - مادام الغربان .. - البوم
- احتلوا دور الشهداء - ألحق أقول ودوما قلت الحق - أخطأت كثيراً لكن كانت ليلاى
م تعشق يا قلب سواها - لم تحلم إلا برضاها - لم تنبض إلا بهواها - والقلب - « الكلمة »
دليل المؤمن في ريف بلادي .. - ولهذا لم أفقد في التيه طريقى - لم أخطىء حتى حين
تعددت العثرات على الدرب الممتد بغير نهاية - في التيه طريقي - لكن الكهنة والكوهين -
دأبوا يعطون الغفران - للمومس منهم واللوطى - والزنديق الداعر والذيل - أما الحرمان
فللطاهر مناذيله - يتأبى أن يلتفت وراءه - كابن الخطاب - فالطاهر ليس يذيل - لابل لاذيل
لطاهر - ومشيت بعز ظهيرتنا عريان الظهر - مشقوق السروال من الخلف مغطي العوره -
ياوطنى .. وطنى المشقوق الصدر - طفت عليكم سكرانا بمحلات .. « وطنى » بجريدة
بدكاكين العهر العلنية - حيث تجمعتم موتى أو مخمورين - وأنا مخمور حتى - « العلية »
شعر الرأس - لكن رأسى لا تهتز - حتى تحت الفأس - من بينكمو لعبت لكم دور المجنون
طفت عليكم أصرخ - أللعبة غش في غش ".















__ اضحك من قلبك..
"الكهان....يقول الطبري"
يقول الطبري: إن قريشاً ملت عمر بن الخطاب، فهو قد حصرها في المدينة ومنع عليها التجول في الأمصار، وقال بصريح العبارة: ألا إن قريشاً أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده. ألاّ فأما وابن الخطاب حي، فلا، أني قائم دون شعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش. وحجزها أن يتهافتوا في النار.

ينهكني الصداع بين النظريات والآيات والسور..الكتب...الأطروحات...عناوين الصحف...السجائر التي صارت بلا طعم مثلها مثل الطعام......لا يخرجني من هذه الحالة اليومية سوى النوم



لكن الخوف أن تعاودني هذه الأفكار.



*******


"إذا كانت هناك حقيقة فالموت هو الحقيقة التي لا يمكن إنكارها"
"إن الله خلق الإنسان على الأرض قردًا يتلهى به"
"الآخرون هم الجحيم" سارتر ومن عجبٍ أن سارتر يستخدم ألفاظ "الله ...الجحيم "



******

أتبني نظرة جوناثان سويفت عن البشرية فهو عندي المثل الأعلى ....يقول ويل ديورانت عنه في قصة الحضارة" وقد تعيننا علل سويفت الجسيمة على فهم السر في رداءة طبعه وسرعة غضبه، أنه منذ 1694، وهو في السابعة والعشرين من العمر، بدأ يعاني من دوار في الأذن الداخلية ومن حين لآخر، وبشكل لا يمكن التنبؤ به، أصابته نوبات من الدوار وتشويش الذهن والصمم. ونصح طبيب مشهور هو دكتور رادكليف بأن يوضع سائل مركب داخل كيس في لمة (الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن) سويفت، واشتدت به العلة على مر السنين، وكان من الجائر أن تسبب له الجنون. ويحتمل انه في 1717 قال للشاعر أدوار بنج، مشيرا إلى شجرة ذابلة "إني سأموت مثل هذه الشجرة سأموت في القمة." وكان هذا وحده كافيا ليتشكك في قيمة الحياة، وليرتاب قطعا في وجه الحكمة في الزواج. ومن الجائز أنه كان عنينا، ولكنا لا نستطيع الجزم بهذا. وأعتاد على كثرة المشي اتقاء لهزال جسمه، فمشى مرة من فارنام الى لندن: 38 ميلا.



وزاد من شدة مرضه حدة حواسه حدة مؤلمة، وهي عادة تلازم حدة الذهن وفرط الذكاء. وكان بشكل خاص شديد الحساسية للروائح في شوارع المدن وفي الناس. فاستطاع بمجرد الشم، عن صحة من يقابل من الرجال والنساء، وخلص من هذا إلى أن الجنس البشري أصابه النتن. ولذلك كان مفهوم المرأة الجديرة بالحب والإعجاب عنده ينحصر إلى حد ما في:



"أنها لا يخرج من جسمها النقي هبات كريهة الرائحة تثير الاشمئزاز، لا من خلف ولا من قدام، ولا من فوق، ولا من تحت، ولا يتصبب منها العرق البغيض".



أنه يصف "غادة جميلة في طريقها إلى الفراش"، ونفس المرأة حين تفيق.



"إن من يرى كورينا في الصباح يتقيأ، ومن يشم رائحتها يصاب بالتسمم".





















إن مفهومه عن المرأة الشابة الجميلة مرتبط بحاسة الشم:
"إن أعز رفيقاتها لم يرينها يوما تجلس القرفصاء لتتبول، ولك أن تقسم بأن هذه المخلوقة الملائكية لم تحس يوما بضرورات الطبيعة، فإذا مشت في شوارع المدينة في الصيف لم يلوث أبطاها ثوبها. وفي حلبة الرقص في القرية أيام القيظ لن يستطيع أنف أن يشم رائحة أصابع قدميها".
وكان سويفت نفسه نظيفا إلى حد التزمت. ومع ذلك فإن كتابات هذا الكاهن الأنجليكاني تعد من أفحش ما كتب في الأدب الإنجليزي. أن تبرمه بالحياة جعله يقذف بأخطائه في وجه زمانه. ولم يبذل أي جهد في إرضاء الناس، ولكنه بذل كل الجهد في أن يسيطر ويتحكم، لأن السيطرة خففت من شعوره الخفي بعدم الثقة في نفسه. وقال أنه يكره (أو يرهب) كل من لا يستطيع أن يأمره، على أن هذا لم يصدق على حبه لهارلي، وكان غضوبا عند الشدة، متغطرسا فظا وقت الرخاء والنجاح. وأحب السلطة أكثر مما أحب المال. وعندما أرسل إليه هارلي بخمسين جنيها أجرا لمقالاته، رد الحوالة وطالب بالاعتذار، وكان له ما أراد، فكتب إلى ستيللا "لقد استرضيت مستر هارلي ثانية".وكان يكره الرسميات ويحتقر النفاق. وبدا له أن الدنيا تميل إلى قهره وقابل هو العداء بمثله صراحة، وكتب إلى الشاعر بوب: "إن غاية ما أصبو في كل أعمالي أن أزعج العالم وأضايقه، لا أن أسليه، فإذا استطعت أن أحقق هذا الغرض دون أن الحق الأذى بشخصي أو بثروتي، لكنت أعظم كاتب لا يكل ولا يمل رأيته أنت في حياتك.. إذا فكرت في الدنيا فأرجوك أن تجلدها بالسوط بناء على طلبي. لقد كنت أبدا أكره الأمم والوظائف والمجتمعات. وكان كل حبي للأفراد، إني أكره طائفة رجال القانون، ولكني أحب مستشارا بعينه أو قاضيا بعينه، وهكذا الحال مع الأطباء. (ولن أتحدث عن صناعتي)، والجنود، والإنجليز والاسكتلنديين والفرنسيين، ولكني أساسا أكره وأمقت هذا الحيوان الذي يسمى إنسانا، ولو أني من كل قلبي أحب جون وبيتر وتوماس وهكذا)
***يذكرني كلام سويفت بPerfume الفيلم والرواية. لتلعب في الدماغ ثنائيات ومفارقات أخري.

وفي رحلات جاليفر قال سويفت رأيه في الجنس البشري بطريقة ساخرة فالناس إن رأيتهم بعدسة مكبرة رأيت منهم كل القبح والعجرفة ناهيك عن العفونة وتفصد العرق وإن رأيتهم بعدسة مصغرة بدت لك تفاهتهم فهم ينقسمون إلي حزب ذوي الكعوب الكبيرة وحزب الكعوب القصيرة، حزب الذين يكسرون البيضة من طرف الصغير والآخرون الذين يكسرونها من طرفها الكبير....سنة وشيعة وأكراد...ذوي اللحى والذي بدون لحى، المنقبات والسافرات المحجبات وغير المحجبات ولا أدرى ما المشكلة وما الخلاف...؟
*******
"قلتم لي: لا تدس أنفك في ما يعني جاركْ لكني أسألكمْ أن تعطوني أنفي وجهي في مرآتي مجدوعُ الأنفْ" صلاح عبد الصبور....
"كيف تبصر القذي في عين أخيك، ولا تبصر الجذع الذي في عينك" المسيح
ليس من المهم عندي في فيلم "كابوريا" مصارعة الديوك التي أستبدلها الأغنياء  بملاكمة حسن هدهد وأمثاله من المهمشين، فمن حق أي أحد أن يفعل ما يشاء فتلك إرادته ولا أظن أن في هذا إدانة لطبقة معينة...المهم هو جيران حسن هدهد الذين واجهم هدهد بحقيقتهم ب"حشريتهم" و"فضولهم" وبيوتهم الزجاجية التي يقذفوا الناس منها بالحجارة...كلام "حسن هدهد" أهم ما في الفيلم!!
"أنت تقابل نفسك في الطريق..فاللص يقابل لصًا...ويقابل الشريف شريفًا"!! مجهول...في الحقيقة مش مجهول أنسي المصدر !!
محمد عبد العليم سرحان 5 يونيه 2010






































































السبت، 6 مارس 2010

شبابيك 2



شبابيك (2)
لم  أعرف أن العالم أوسع من تلك الغرقة الضيقة التى تقتلها الرطوبة، حيث ينام محبوبي -- وقد اعتلت طبقة من الدهن والعرق وجهه، وأن قلوب الخلق أكثر رحابةً من  قلب محبوبي الضيق الذي يتصعد حرجاً كلما سألته متي سوف يتكلم مع أبي -- عمه؛ نسيت أني دون بنات العيلة توفي والدي وأنا في اللفة، يتكلم مع أخي عنا. أخبرته للمرة الأخيرة وقتها وها أنا أعود كالكلبة العرجاء أجر رجلاً لتثبت الأخري. لكنى فعلت ذلك كي أكون في براءة من عتابه الذي سيكون أ لكأنى أبرئ قلبي. أنا التى عاهدت نفسي للمرة الأخيرة الا أزور بيتهم أو أهاتفه. لكن اللقاء كان علي أرض محايده بيت عمي صلاح في الدور الذي يليهم!
 لم أكن لأنسي رقم هاتفه خانتني ذاكرتي اللعينة الشمطاء وتذكرت رقمه الذي أرسلت له رسالة العصيان الأخيرة، قبيل شهر. أمسكت بالهاتف وأرسلت له رساله أني ها هنا وأريد مقابلته لأنى سأغادر إلي القاهرة، إلي بيتنا في القاهرة، الذي لم نتركه منذ وفاة أبي إلا في الأجازات. أحضرت زوجي عمي كوبي ليمون لي ولها وتحدثت كأنها تعرف كل شئ. لن يستطيع صدقيني أنه يتبع أوامر تلك السوسة - أمه. لم تمر خمس دقائق بينما أفكر في كلمات زوجة عمي. أتي يعلوه البشر – طبعاً فقد اقتنص نصراً آخر – آه رغم أنه هكذا أبله لا يدري كم أحبه وكم أخبئ له من سعادة في جفوني وعظامي. حدثني عن ظروفه مباشرة وهو يشرب الليمون الذي تركته امرأة عمي حالفةً أن يتناوله بدلاً منها فهناك كوب آخر في المطبخ ستأتى به. عن الأسمنت حدثني عن الحديد كلمنى عن الجدار العازل كلمنى عن مساحة الأرض الضيقة وأسعار الأرض المرتفعة عن أخوته الذي يتولي الإنفاق عنه حدثني عن عن ابيه المريض كلمنى عن ذكرياتنا حدثني عن الحب عن نخلات عمي صلاح التي كان يضربها بالحجارة ويأتى لي بالبلح الذي بدأ في الاحمرار والاصفرار عن اجازتى التي كنت آتي إلي الصعيد فيطير فرحاً ويترك الأولاد في ألعابهم ويخصص وقته كله لي في النهار يأتى لي بالبلح ويقتنص ابستامة وشكر. عن ضفائري التي غطاها الحجاب بعد ان كبرت قليلاً. عن والدي الي يحبه ويزوره ويقرأ له الفاتحة في كل جنازة يذهب إليها حدثني عن بنطلونات الجينز التي كنت أرتديها عن التي شيرت الأصفر زي الكم الطويل، عن الحرفين الذين كتبتهما علي بيت عمي صلاح لطالما نظر إليهما. في غدوه ورواحه. عن تعذر ذهابه إلي القاهرة لن الحال لا يختلف كثيراً. عن الإيجار الجديد حدثته ليرد بعد قليل بمكر عن السنوات الحرجه حتي ينهي أخويه الكبار تعليمهما. لكي يتفرد لنفسه. ودخلت مريم زوجة عمي صلاح وقد ضربت علي رجلينا وقالت كلماتها وهي تضحك: " عارفاكم يا خولات أنا"—مشيرة إلي أنها تعرف عن علاقتنا منذ زمن. تلك القصيرة المكيرة أتراها تلعب لحساب ابنتها التي طالما كانت تقلدني في لبسي وكلامي مقتنصة كلماتى باللهجة القاهرية لا أعرف!!
هذا التليفزيون المزعج يعرض حفلةً لمنير "شبابيك ...شبابيك، الدنيا كلها شبابيك وسهر والحكاية والحواديت كلها دايره عليك، الكلام كان كان عليك واللى كان عليك انتهى من بين إيديك...." هذا الشباك الذي يطل علي بلكونة بيت عمي يأتى بهواء ربيعي يدغدغ سخونة خدي التي أعرف أنها احمرت أنظر إلي ملاكي اللعين.
 "غيرت ياما كتير ،
 ياما كتير أحوالي وأنا كنت عاشق،
 وعاشق وكان يحلالي،
 أحب بس يكون حلالي ورا الشبابيك"
لن أذرف الدمع أمامه حتمال أن الأقدار شاءت لنا بالفرقة. بالفعل ظروفه هكذا. ماله ولأخوته! مالك ولأخوتك يا ملاكي للبيت رب يحميه أما أنا فمن يحميني هل أتجوز أحدهم ...سائقي التوك توك والميكروباصات والتاكسيات الذين يعاقرون الحشيش في اصطباحاتهم. هل أتزوج ممن لا أعرفه؟ مبهم وغامض. كيف أضع شفتي علي شفته كيف أعانقه، كيف نجري معاً، ونضحك ونتداعب وليس لي معه ذكريات، لم يأتيني ببلح الصبا لم أفرح للقياهم في الإجازات الدراسية لم أكتب له حرفين علي الباب. أم أتزوج من هؤلاء المعقدون نفسياً وجنسياً الذين يفوقونى في السن..الملتحون القادمين بثقافة الخليج المتأسلمة، وقد رأوا الفلبينيات والهنديات وغيرهن يبعن أجسادهن في الطرقات -- لقاء دينارات بخسأ فشككن حتي في امهاتهن. من جار لنا يدهن الدوكو. ممن ليس معي ذكريات معهم يا ملاكي لم يحضروا لي "ماسة في حجم فندق الريتز" لأكتب في آخر صفحة "قل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً قد كاد يقتلني بك التمثال".
"أنا بعت الدموع.. الدموع والعمر
 طرحت جنايني في الربيع الصبر،
قلت انا عاشق سقونى كتير المر"
، لِمَ تكررها يا منير وأنا أقاوم نزيف الدموع قبل ان أترك كوب الليمون وقد وليته ظهري. واستاذنت زوجة عمي. وتركته يركض علي السلم خلفي وأنا مسرعة للأسفل.
"

الأحد، 28 فبراير 2010

شبابيك

لأنهما أبناء عمومة، فإنها تستطيع أن تجلس معه منفردةً؛ ولأن البيت كذلك لا يخلو من رجلٍ تدب بين الفينة والأخرى. جلسا في تلك الغرفة الأرضية ببيت عمها بعد أن أيقظته من نومه. هب منزعجاً إلا أن أساريره انبسطت بعد أن استيقظ، فقد سألت عنه بعد فترة من الانقطاع. وحين تركها قليلاً ليدخل الحمام الأرضي فكَّرت:"كل مرة أنهار وآتي إليه، أسأل عنه او أجري اتصالاً به. لماذا هذه المذلة؟ سألتُه لماذا لا يكون هو من يسبقني إلي السؤال فرفض أن يجيب. أسرُ هذا؟ كل الناس يعرفون أننا لبعض. هل تحاولين مرةً أخرى جدياً في إنهاء العلاقة؟ ألا ترينه إلا إذا تذلل وقدم فروض الحب والإخلاص.... نعم أتركه وأبعد لأحقق ذاتي بعيداً عنه... إلي متي سأرتبط به، وأرهق أعصابي وأُكَدِّر معيشتي وأثهمل حياتي؟ سأتركه ... لكن ماذا لو رجعتُ ثانيةً على إثر ابتسامة أو كلمة حنان؟ ...لا أعرف!!"
وعندها دخل الغرفة بشكير لونه باهت يلفه حول عنقه. جلس أخرج تليفونه المحمول. كأنه تكلم بشئ (كانت سارحةً فلم ترد ولم تهتم)
- ليه مبتسئلش، ولا بترن عليا. الرنه بتوَّصل أنك فاكرني، علي الأقل في بالك يعني!
- قلت لك ما تكلمينيش في الموضوع دا تاني !
تنظر إلي الجزء الصغير المفتوح من الشباك، الذي يطل علي الشارع قائلةً:
- أنا مش عايزه غير انك تسأل عني زي مانا بسأل عليك. كلامك القديم عن الوفاء والإخلاص انتهي؟! ولا كان تزييف؟ خايفه تتحول علاقتنا إلي ما أكره!
- بالطبع لا ستبقي علاقتنا، ولكني أظن أن جذوة العلاقة ستنطفئ زي أي حاجة!
- أنا عطشانه -إيه؟ - عايزه أشرب
فتح الشباك، فتكلمت بصوت متقطع مقاوم لدموع في عينيها:
- كويس انك فتحتة اشباك عشان أعرف إن الدنيا واسعه مش بس الخطوتين دول اللي احنا قاعدين فيهم.
في أثناء كلامها تلوَّن وجهه ببسمه، ثم تقطيبه كأنه كان يهاب شيئاً وراء الكلام.
- المهم عامله إيه مرات عمي؟
- الحمد لله كويسه
يتحرك بهدوء.
- رايح فين - رايح اجيبلك الميه.
رجع ثانيةً، يغلق الشّاك، ونظر إليها وجدها ساهمة ومضي لعلي يحضر الماء.
"لم يعطني رأياً صريحاً. كيف يستحوذ علي قلبي هكذا، فلا أستطيع الفكاك؟ كيف اسهر الليالي واشتاق وأنا التي عاهدت نفسي مرارراً بأن يكون قلبي حراً كالنور الذي في السماء. لماذا ترتفع أغنية "شدي الضفاير" من راديو قريب الآن.
"يا مّايا يامّا شدي الضفاير .. لو قادرة يامّا تعصَبيها عصبيها وعصبيني .."
شريط مشاهده مواقف وحكايات مرت عليها سنين وأيام. يخطر ببالها الآن كيف كان يبكي عندما تحقق الدرجات العليا وتتفوق عليه حاعلةً والدية وجده يسخران منه، كيف حاول ان ينتقم منها بطريقته، وكأنها سبب تعاسته وحزنه. كانت أيام!
يدخل وفي يده كوب ماء.
- مين فتح الشباك
- إيه
- أنا قفلت الشباك قبل ما أخرج.
- أنت قفلته!
لم يكمل الكلام دورته في عقلها، إذ دخل ابن عمها الصغير سألته عن درجاته في نصف العام. وعندما خرج الصغير، ساد الصمت المكان، وازداد التوتر، ونظرت إليه وكأنها تكلمه تخيَّلَت حواراً بين العيون:
- " ياحبيب القلب، أنت القلب الطاهر الذي دخل غمار قلبي فاستحوذ علي بؤرته، واستحالت حياتي نوراً. لو تسأل عني كما أسأل عنك!! لِمَ اوصلتني لدرجة الشك في حبنا وفي كل شئ. آه لو أتناسي تلك النقطة. لكن من قال يقبل الذل خلاص وداعاً..."
- "مش هتقدري"
- "هتشوف"
***
بعد يومين غياب اضطرت أن تتصل به، فقد وصلت بها الأشواق مدىً. بعدها أخذت تُحَدِّث نفسها بين سخرية من الضعف وتسامح وصفاء وقلبٍ ابيض يقول :" وإيه يعني حياتي فِداه". ولكنها سرعان ما ترد علي نفسها :"لطالما عرفت أن الرجل هو الذي يسأل ويبادر والمرأة هي التي تتثاقل، خلاص فينيش، فينيتو....."
***
لم تزوره، لم تطلبه في الهاتف عاشت حياتها منفتحةً علي الحياة والناس تُكلِّم صديقاتها وجيرانها، تقرأ وترسم تلك الرسومات الساحرة التي طالما أعجبته وأغرته بالمحاولة. كان يخطر ببالها بين الحين والآخر، رغم طقوس النسيان التي أرهقتها، إلا أنها طاردته من تفكيرها. نصحتها زميلةٌ أن تسمح أسمه من سجل هاتفها – شريطة الا تكون متذكرةً الرقم. وبالفعل أمسكت بالهاتف المحمول لكنها أوشت إلي نفسها بأن تتمهل فهذا قرارٌ صعب. قررت أن تُكمٍل دراستها وأبحاثها. ذمّت شفتيها، أمسكت بالهاتف كتبت رقماً علي وريقة التقطتها من الأرض – لم تختار إحدي الأوراق المتكدسة علي المكتب. وأرسلت إليه رسالة :"للأسف فإن الشباك انفتح، ولن يغلق مرة أخرى، وداعا" بعد قليل سوف تمسح نفس الرقم وتمزق الوريقة، وتغمض جفنيها وقد ارتسمت بسمة عريضة على شفتيها. تنظر في الساعة، "الوقت متأخر، أريد أن أنام لدي ميعاد غداً في الثامنة مع المشرف

الأحد، 17 يناير 2010

قالت لي العصافير "1






1

كانت الزنازين في عصر عبد الناصر تعج بجميع الطوائف السياسية والفكرية والدينية.جمعت زنزانة "عبد الرحمن الأبنودي" الشيوعي وقتها، و"الشيخ عبد الحميد كشك" الإخواني الخطيب ذائع الصيت.
قال "الأبنودي" للشيخ "كشك" : أنت ما تعرفنيش يا مولانا
قاله: لا يا ولدي – يذكرني هذا بمشهد "هل أسرتم حداً حتى نفتديه بالمال – لاااا يا والدي"
فقال: أنا يا مولانا اللي كتبت أغنية "تحت الشجر يا وهيبة"
فقال كشك: "وهيبة مين ؟!!، يا بني القضية أكبر من كده"
2
يوسف صديق كان شيوعياً هكذا قالت زوجته وآخرون – وأنا لا أصدق ذلك. يوسف صديق كان من المخطط آن يخرج بمجموعة من الضباط إلي مركز قيادة الجيش فيستولي عليها في الساعة الثانية. إلا انه خرج قبل الموعد المحدد. ووجد جمال وعبد الحكيم في طريقه مرتديان ملابس مدنية وكان العساكر قد قبضا عليهما،  فلما رآهما أعطي لهما التحية العسكرية. خرج يوسف صديق حاملاً روحة ليحقق الثورة التي طالما حلم بها في بلدته الأولي بني سويف. وفي أزمة 1954 في الخلاف بين نجيب وعبد الناصر ومجلس القيادة عموماً، كان رأي يوسف صديق عمل أحزاب وديمقراطية وكان هذا رأى اللواء نجيب أيضاً. مما جعل عبد الناصر يضعه في المعتقل. وفي آخر ديسمبر 1970 كاد يوسف صديق آن يجن وانفجر في البكاء لوفاة عبد الناصر – وقال قصيدة يرثي فيها عبد الناصر!!!
3
"صبراً آل ياسر فإن مثواكم الجنة" حديث شريف وسببه العناء والتعذيب الشديد الذي تعرض له عمار بن ياسر ووالده وأمه سمية. وحين نضجت الدولة الإسلامية في عهد الفاروق عمر، قام عمر بتولية "عمار بن ياسر" علي إمارة الكوفة. وحين سئل عمر عن سبب توليته لعمار – الذي لم يعرف وهو المولي، ان يدير الإمارة" قال "أردت آن أُحق قول الله تعالي" نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " صدق الله العظيم. يفتح هذا الكلام مجالاً واسعاً خصوصاً عند قراءة هذه الأبيات وغيرها من قصيدة"كلمات سبارتكوس الأخيرة"
“الله. لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون ! "
وأربط بين قصة بني إسرائيل – المستضعفين من قِبل فرعون، وسبارتكوس وعبيد روما المستضعفين من ساداتهم، وواقعنا المعاصر. لذا فإنني أستمع إلي سورة "الأعراف" علِّي أجد تفسيراً!!!!
4
شكوكو
 قال شكوكو والعهدة علي الراوي" الحب بهدلة، A7A يا خرابي"!!!
5

Oscar Wilde
"أوسكار وايلد" صاحب أسلوب مميز في السرد، قرأت له روايتين أحدهما "صورة دوريان جراي" "The picture Of Dorian Gray" التي درستها دراسة متعمقة. ودرست له قصة قصيرة بعنوان The Devoted Friend”"، فتَّحت عيني علي أن هناك طَحّان مستغل للآخرين باسم الصداقة، و"هانز" طيب – أو مغفل ،يضحي -- حتى بروحه من أجل "الصداقة" .كان موضوعه الأول واهتمامه الصداقة. تزوج أوسكار وايلد وأنجب لكنه لم يعرف أن ارتباطه بعلاقات الصداقة لم يكن إلا شذوذا جنسياً فيه، عرف ذلك وهو في التاسعة والعشرين!! قضي أوسكار وايلد فترة في السجن بسبب انكشاف علاقته المشبوهة مع احد الأصدقاء. من أشهر مقولاته "الصديق الحقيقي هو الذي يطعنك في وجهك. فهل كان يقصد مكاناً آخر وطعنة أخرى!!!
6

Ernest Hemingway
 كما يقال أن فلاناً عندنا كان من مجددي الدين، كان "هيمنجواي" مجدداً للغة الإنجليزية وأساليبها فكان شكسبير وديكنز وهيمنجواي أكثر من أثروا في اللغة الإنجليزية. "العجوز والبحر" – الرواية المفضلة لصدام حسين أهم رواية ليهمنجواي، رغم صغرها إلا أنها قطعة إنسانية خالدة تمجد الكفاح الإنساني. استلهم هيمنجواي -- الأمريكي قصته وكتبها في كوبا. كانت طريقة هيمنجواي في الكتابة أن يركب قطارا يتجول في أحراش وغابات أمريكا الجنوبية فيكتب قصته في القطار. هيمنجواي صاحب أجمل ملحمة كفاح، انتحر اكتئاباً ولله درك يا صلاح جاهين.
7
الرواية التي أثرت في عبد الناصر ومنظورة القومي "عودة الروح" وهي رواية لتوفيق الحكيم.  أما السادات فأثرت فيه رواية "الذئب الأغبر" وهي عن الزعيم التركي أتاتورك. وحكاية السادات مع أتاتورك طويلة. ما علينا لكن أتسائل ما هي الرواية أو الكتاب الذي أثر في مبارك؟
8
الراوي – في الروايات، إما مرفوع عنه القلم، أو مرفوع عنه الحجاب.
9

رضوان الكاشف، رأفت الميهي، داوود عبد السيد، يوسف شاهين، مجدي احمد علي، يسري نصر الله، أفلامهم Orgasm لم يكتمل - لكل مثقف يشاهدها.
Muhammad Abdel Alim Serhan
17/1/2010


الجمعة، 8 يناير 2010

الشَّـــــــــــــــــــــــــــــــــج


منمنمات (الأرشيف)

أستندُ إلي الحائط، ألم يجتاح كياني، رأسي ينبض سريعاً! أنظر إلي ساقٍ مبتورة - يتكشف عنها العظم- لشحاذٍ اتكأ علي الحائط. ما أبشع المقارنة التي خطرت ببالي وقتها لكني قاومت الألم. تدور الأرض ي امشي كالمخمور الذي يخشى أن يعرفه المارة. فلا يمكن البوح في الألم في المدينة، فلن يهتم بي احد – هكذا فكرت. مازلت أقاوم وأمشي وفي جيبي قروش، ثقب من الحذاء تطل منه قيود علي الحركة مصدره الخجل. بدت لي صورة الرجُل في ذهني ثانيةً، فلعنت الفقر. ما أبشع الألم!

"يارب" أقولها ممطوطة وكلي رجاء أن يخفف عني الألم. خاطر داهمني"لماذا يخلق الله العبد ويعُذبُّه بآلام الجسد والغربة والفراق والصبر والفقر والموت؟!.... "أستغفر الله العظيم" أرد علي نفسي سريعاً. وأردد

"لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استبد الألم

فإن الرزايا بعض العطاء

وإن المصائب بعض الكرم" *

بالكاد وصلتُ إلي غرفتي. ارتميت علي السرير مُغميً عليّ. أفقت بعدها علي صوت الراديو وكأنني اسمع المذيع يقول"أدان وزير الخارجية المصري الهجمات الإسرائيلية علي قطاع غزة والخليل. فيما أعرب السيد أمين عام الجامعة العربية عن أسفه حيال الصمت الدوليّ إزاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي....." شعرتُ بغثيان، توجهت إلي الحمام ملبياً نداءات الطبيعة جميعها!

***

عندما كنت أسمع عنه كلام الناس بأنه أنجح أبناء جيله؛ رجل محترم صاحب مبدأ، يجرحني الكلام إلا انني كنت أطارد ذلك الإحساس القديم المقيت بالغيرة، وما يترتب عليها من إفساد صداقاتي.

وعندما تعرضتُ لأزمتي الأخيرة عقب رجوعي من الكويت طريداً، كان نجم "أحمد" يسطع في سماء قريتنا الصغيرة.

بعد فترة قال الناس "الأستاذ أحمد هيعمل كذا وكذا....." "هيعمر الجبل ويفتح بيوت، ...." فتصاعدت لديّ تلك المشاعر البغيضة، لكني كنت أهرب من أي مكان يأتي فيه ذكر اسمه أو أتجاهل الحديث!

***

أبصري يا نفسُ الشج الذي ما زال في رأسي وتذكري ألمي وبكائي وضَعفي أم نسيتِ؟ آهِ يا نفسي!

***

" لا تظن أني لم أجد في نفسي ما وجدتً أنت في نفسك تجاهي. فكان الزملاء في مجلسهم يذكرون فهلوتك والعفرته التي ربحت بها كثيراً أموالا وأناساً"

ساد الصمت والاندهاش المكان فصار للوجوه طعماً متغيراً وللمكان اغترابه؛ ذلك الاعتراف أدهشني ... أسعدني وملأني سخريةً من النفس البشرية. كنت أحنق علي أحمد عندما يأتي ذِكره فيمتدحوا ثباته علي المبادئ ونجاحه من بيننا. والآن يُصارحني بما لم أكن أتصوره أو بما لم أكن متأكدا منه -- علي وجه الحقيقة!

لكن ما قاله الزملاء كان حقاً أُريدَ به باطل، فهم لا يعرفون بعد أنني الآن لا أملك شيئاً اللهم ما تيسر للبدأ في مشروعنا الصغير! فأنا الخاسر إذن! قد قالوا عنه حقاً وقالوا عنا ما تصوروه لكننا متعادلين في نظر الناس علي الأقل. لكن الحقيقة ستظهر إن عاجلاً أو آجلاً وستنكسر .. لا...لا ...

كل هذا دار في خلدي في ثوانِ ونظرتُ في عيني أحمد بعد الذي قاله وشعرت بأنه أقرب روح لي وأحس هو بقربنا المتناهي وسئمنا الناس ونفسينا اللذين ينظرون إلينا كفرسي رهان فعكفنا نتجاذب الحديث، وعندما تلعب الأنا دورها نتقاسم المجموعة فريقين، فريقي وفريقه وكان كل يوم من أيام إجازته مباراةً نهائية يكسب فيها احدنا ويخسرها الآخر!

***

كم هو ضعيف الإنسان. يُعجَبُ بقوته وجسمه أو ملابسه أو ممتلكاته فيمشي يهتز متبختراً وعندما يتثاءب فيروس الأنفلونزا بداخله ينتفض ويبتل في هدومه ويهذي ويهتز كيانه مع أن الفيروس هذا لا يُري إلي بالميكروسكوب فلا تراه عيناه مهما كانت حدة بصرها.

***

احتفلنا برجوع الأستاذ احمد إلي المكتب. كنت قد زرته مرات أخري بعد عملية المخ وعرف عني أكثر. ناداني في أول يوم يرجع فيه إلي العمل – وكنت في البوفيه أدخن سيجارة. "يا أبو زارع" "نعم يا أستاذ أحمد" ومشيت تجاهه.

-- إيه أخبارك يا بني؟

-- الحمد لله يا أستاذنا ..

-- يعني ندورلك علي شقة وعروسة؟

-- ها ها مشي قوي كده يعني.

-- اوعي تكون بتروح مكان من إياهم ولّا بتتعاطي حاجة؟

-- انت عارفني يا أستاذ أنا بتاع الحاجات ديا؟

-- طيب أُمال الحياة بتروح فين؟ (هكذا يسمي الفلوس الحياة)!

-- يا استاذ أخويا في الجامعة وأنا متحمل جزء كبير من مصاريفه وإن شاء الله ربنا يسهل دلوقتي.—طيب أقولك علي حاجه يا عبد السلام.

-- تؤمرني

-- انت تمسك حسابات محلات الملابس. ترجع بعد المكتب تشيِّك علي الحسابات علشان انت عارف الصحة على القد

-- ربنا يديك الصحة يا أستاذ.

***

نحن نشارك في خلق سير حياتنا بنسبةِ ضئيلة لكن اللاعب الرئيسي هو القدر. لذا فإن حياتنا تحمل في طياتها جبرية قدرية لا مهرب منها. هَب أن أحمد مروان لم يبدو بذلك السلوك والخُلق أمام الأستاذ "أحمد لاشين" فما كان ليزوجه وحيدته، ويثق به تلك الثقة. أو أن عبد السلام زارع – قبحني الله من مخلوق- لم يفعل ما فعل مع "أحمد مروان" ما كان قرَّبه ووثق به تلك الثقة.

أما "أشرف سليمان" فقد لعب على وتر الصداقة، وناهد تلعب علي إيقاع الأخوة والمسئولية العائلية. كلٌ له تحايله وهكذا تكون الحياة سلسلة من الأدوار. فقبل ثلاثين عاماً، جاء أحمد لاشين عاملاً للبناء ولكنه لم يرقد رقاده الأخير إلا عندما مل أشهر أحياء القاهرة بمحلات ومخازن الملابس وأصبح شريكاً لكبري شركات المقاولات. ونودي "البشمهندس احمد لاشين" والحاج"أحمد لاشين". كل هذا من اجل أن المقاول الأشهر "موسي أبو المعاطي" قد وثق بمساعده الذي يعمل معه منذ فترة، فترك له ميراثاً من المعارف وعاديات العمل.

***

كنا نمشي جنب الحائط. لم نرفع لافتة أو نحرق علماً، لم نرفع عقيرتنا في مظاهرة تخترق مباني الجامعة، ولم نندد بالصهيونية إلا سراً. هل لأننا نعلم مُسبقاً أن ذلك لن يُجدي؟ أم خوفاً؟ أم أننا لا نهتم بالأمر كلية؟

كان يحلو لنا أن تفسير عدم إقامة علاقة مع زميلاتنا بأننا نعلم مُسبقاً أن"الريح لن يأخذ شيئاً من البلاط" أو أننا نخاف من الله والناس وأن "كما تدين تدان" و"لو زدنا لزاد السقا" أو لن الأمر يتطلب جرأةً وشياكة. لم نكن أيضاً من الطلاب الناشطين في المسرح أو مجلات الحائط أو الأُسر أو الدوري الجامعي، ولم نكن أيضاً من أوائل الدفعة. وكأننا نحتاج عمراً آخر كي نخوض غِمار تلك التجارب. كنا نتخوف من عصافير الأمن، ونشك في وجودهم من الأساس، ونحب الإخوان ونخشى الاقتراب وأحياناً ننتقدهم! نحن متشابهان لأبعد مدي نحلم بالإثم ولا نقربه. نحلم باليقين الذي يعطي أعلي درجات الأورجازم لكننا نصلي يوماً ونترك شهراً!

كنا في منطقةِ رمادية؛ منطقة عدم الانفلات وضبط النفس. ونحلل الأمر:هل هو عيب تربية؟ أم حتمية مجتمع مغلق ومكبوت؟ وفي آخر الحديث نُسَأسِئ ونتناول سيجارتين من علبة أحدنا وننادي علي صبي المقهى، الذي يأتي متكدرا من طلباتنا من الشاي الثقيل الذي يزعج صاحب المقهى.

***

-- أنت تمجد نفسك وتقنع الآخرين بالفهلوة الكاذبة وبطولتك التي صنعتها من ورق، وتتعامل بنعومة كالأنثي!

-- وأنت تبالغ في طموحك، وتنظر للآخرين من علِ. كنتَ تجلس بين الآخرين، فتتحدث إليهم تضييعاً لوقتك، وأنت تأكل بعضك علي هذا الوقت لكنك تتواضع بالقدر الكافي حين تتذكر أن ما باليد حيلة وأن الفرصة لم تواتيك بعد. ابق في "مصر" كما تشاء وستكتشف أنها جبل أوليمب يصعد إليه كل"سيزيف" حاملاً صخوره لكن مجهوده سيضيع سديً، أما أنا فلم أعد أؤمن بتلك الخرافة مالي وللوطن، غنه أكبر كذبة. ما علاقتي به سوي أنه ارض ولدت عليها كالآف من يولدون يحملني علي ظهره كالآخرين. هل قصدت تلك الأرض مثلاً – حاشا لله أن تطأطئ تُمهِّد طريقها للفارس الذي يمر علي أرضها مثلا؟!! (يرفع صوته) اتنين شاي تقييل.

-- وهل قصد ابوك أن ينجب المهدي المنتظر حضرتك؟! وهل كانت أمك تظن أنها ترضع مخلص العالم؟!

-- ههههههههه

-- كيف عرفت أن الوقت يزعجني وكل ثانية تمر هي وفاة لقطعة من المجد الذي حلمت به، لكني لا أنظر لأحدِ بتعالي.

-- أنا لم اقل بتعالي قلت من علِِ

(يضحك الاثنان)

-- أحدهم قادم --- أووه -امسك سيجارة -- الآخرون هم الجحيم!!! -والمجد للشيطان معبود الرياح!!! (يضحك الاثنان)

***

أحياناً يواتيني السؤال الكبير"من أنا؟" رسمٌ علي رمل ستعلوه الرمال مع أول هبة للريح فتطويه الأيام والسنون كما طوت غيره. لا .... لا يمكن..... لِمَ؟ أما زِلتَ تشك أن الموت وهم، وأن أعمامك سيرجعوا ذات يوم من غربتهم، دفنوا علي شاهد منك، وفي لحظة غضبٍ أخرجتَ هاتفك لتتصل بأحدهم لينقذك من الموقف الذي يواجهك لكن كانت المشكلة - وقتها - رقمه!!!

كنت بلا حماس لشئ سوي العمل. فما نحتاجه هو العمل. فتلك البلاد التي دانت لها المم ساجدة، ومبهورة بعظمتها تستجدي القمح والمئونة والسلاح من أولاد السفاح والسجون ونحن أبناء الآلهة آمون ورع! هكذا كنت تفكر واليوم تتكئ علي مكتبك مُتخمٌ بالأموال وعلاقاتك الفاسدة التي تستند إليها في الأقسام والجمارك والمطار والتشعر العقاري والمرور تذكرت حين كن تمشي أياماً دون أن يكون في جيبك سوى ما يكفي لطعام هزيل. لكن نار الحماسة لا تلبث أن تنطفئ رغماً عني فماذا يمكن أن افعل بعد الشَج الذي قسم رأسي وأصبغ علي طبيعتي هدوءا ورزانة أكرهها إذا كنت مرغماً عليها.

***

أقابلهم جميعاً بوجهٍ مبتسم :المنافقون وتجار الكلام، الهمّازون ،والمراءون، والمرابون، وتجار الأعراض، والزانيات، وسماسرة الظلام ،وأصحاب الغرض. تخدعهم بسمتي، لكني لا أكذب حين ابتسم. إنني أقف في عليائي ناظراً إلي ما يرجونه مني، وحين أعطي كلٌ حاجته يذهب كلٌ في طريقة مدبراً، وأقول علهم يرجعوا يوماً عما هم فيه!!!

في المنام دعوني إلي مكتب مهيب تخفت الأنوار فيه ثم تعلو. إنه الطريق المؤدي إلي مكتبه. تصطك رجلي بأختها، ويجف يقرأ التقرير الروتيني. تتدحرج عينايّ من الحرج تتلعثم الكلمات بداخلي، أُفضل الصمت. إنها خطبة وستنتهي حتماً. أخرج بعد كَمٍ من الوعود والنعم والحاضِر. من وراء الستارة أنظر، نفسها البنت التي يقبل يديها الآن هي البنت التي كان تهاتفني فأترفع عنها. إنه كالطفل يخلع فراءها وتتدلي حدقتان واسعتان من البله من وجهه أبصق علي الأرض ثم أطأها برجلي ، أضحك عالياً، سريعاً سينادي الفراش ليطاردني. عالياً سأقول بهستيرية " عرفت سرك يا أهبل" أخرج سريعاً، وعندما أستيقظ أقول في سري "وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً"