الاثنين، 30 مايو 2016

إحساس الفقد.. و«بشاعة» الاغتراب



بقلم: أ/ شريف صالح

بشاعة
محمد سرحان
شعر
دار أوراق
صدر عن دار أوراق بالقاهرة، ديوان "بشاعة" للشاعر الشاب محمـد سرحان وهو الديوان الأول له.
يحتوي الديوان على أكثر من عشرين قصيدة أو نص شعري، حسب جاء التعريف الفرعي للكتاب بأنه نصوص شعرية. بما هربا مما توحي به القصيدة من قيود واحكام في البناء. ولا يبدو سرحان في تجربته الأولى مولعا بأي قالب موسيقي.. فهو آتٍ من منجز قصيدة النثر.. قصيدة التفاصيل العادية.. والكلام الذي لا يقال عادة.. الرهافة.. والتمرد.. والغضب.
وكديوان أول لا يخلو من أخطاء لغوية بسيطة.. كما يتسم الى حد كبير بطغيان حالة شعورية واحدة تجعله أقرب الى قصيدة واحدة ممتدة في حوالي 76 صفحة. من الصعب القول ان تقسيم النصوص وتعدد عناوينها أضفي عليها شيئا من التنوع والاستقلالية.
هذه الحالة الشعورية مؤسسة ابتداء على عنوان الكتاب بشاعة وهو أيضا عنوان نص داخلي نقرأ منه:
أدرج على عتبات البشاعة الآن بأناة
ليس ذنبي أن تكون الخطوة نحو النور عصية
ليس ذنبي أن أتحمل عبء هذا العبث منفردا
سخطي الآن في تمامه
فليتأهب العالم لجحيمي الخاص
كما هو واضح نحن أمام صوت شعري غاضب.. بائس ويائس.. صوت متوحد مع ذاته.. مغترب تماما في علاقته مع العالم.. يعاني احساسا رهيبا بالفقد.. والرعب من الموت. ويعيدنا عنوان المجموعة الشعرية، كما يعيدنا هذا المقطع، الى النص الموازي الذي قدم به سرحان كتابه:
قيل للدفلى لمَ أنت مُرة؟
قالت: بسبب موت شقيقي (مثل كردي)
لو كنت الها لوزعت الخلود بلا حساب،
دون أن أسمح، ولو لمرة واحدة،
لجسد جميل أو لروح شجاعة أن تموت (كازانتزاكيس)
هذا الاستهلال يجعل النصوص كلها كابوسية.. وكأنها سؤال حول الموت والفقد.. ربما تأثر سرحان بتجربة فقد شقيقه محمود شابا.. ومن ثم جاء اهداء الديوان:
الى أخي محمود.. أحبك وسنلتقي
الى حبيبتي منار.. أحبك وأكثر
الى أمي.. أحبك وسننتصر
تكرار مفردة أحبك في الاهداء تمثل حلا وحيدا لما تنثره النصوص من عذابات ووحشة ووفقد وعدم يقين.. وعدم فهم.. فلا يملك الصوت الشعري قيمة أخرى يراهن عليها سوى الحب.. والتي تبدت في نصوص قليلة نسبيا.. تعطي أملا ما في الوجود.
وهو يخصص لذكرى أخيه قصيدة سويا وأيضا نص أخي ونقرأ منه:
في الحياة الأخرى 
سنتبادل الأدوار 
سنقاتل سويا 
- كما في الحياة الأولى 
سأسقط أنا صريعا 
عند أول لائحة انتصار 
فيما ستحمل أنت راية الانتصار 
انتصارٌ ليس كانتصاري:
زائلٌ ومهدد
انما انتصار سرمدي وساحق
تتكئ النصوص على ثقافة بالموروث الديني والأساطير والخمريات، وتتناص مع كل ذلك. ففي أول نص بعنوان سكر نقرأ:
تسكرون على عتبات العالم
وتتوبون عند بابي
أنا الظمآن لخمركم.
هيمنة أحاسيس السأم والحزن والكآبة تأخذنا الى أسئلة فلسفية عن جدوى الوجود وأسئلة الماهية والمصير.. وتتأرجح بنا ما بين مكتسبات حياة عصرية مرفهة واستهلاكية لا معنى لها.. السينما والهاتف.. والطعام والملابس الفاخرة.. وبين أساطيرنا الأولى كما في نصه مونولوج برومثيوس:
من باب الاحتياط
والآن فقط،
أحبك يا زيوس
وفي الحلق منك غصة أيما غصة!
مع تلك الروح الغاضبة المتذمرة المتوحدة، ثمة توق الى الحب.. الى الخلاص.. الى النور.. الى البوح والتواصل مع الآخر:
أقول لنفسي:
لا تتردد في البوح
ذلُ اعترافٍ عذبْ
خيرٌ مِن كِتمان
يَعصِفُ بالروح
ومن أهم الملاحظات على بنية النصوص هو تفاوتها في الطول، وميل بعضها الى الحس السردي. ويمكننا أن نقول باطمئنان أن محمد سرحان أراد كتابة نصوص تشبه ذاته ولا تقلد أحدا.. وبالفعل جاءت نصوصه كمونولوج طويل ل الأنا بكل أحزانها وتقلباتها وأشواقها أيضا. وكأنه أقرب الى مقاومة البشاعة والتحرر من الثقل والسأم عبر كتابته.
المصدر: جريدة النهار الكويتية. رابط المقال الأصلي اضغط هنا