السبت، 29 نوفمبر 2025

الـــدَّار

 


أصرَّ على الخروج من الدار في ذلك اليوم، ليتمشى فوق العشب الأخضر المنعش ويشاهد السحب البيضاء التي ملأت السماء في هذا النهار الصحو. يشعر بطاقة غريبة تحتل كيانه – طاقة القدرة على الحركة والخروج في حد ذاتها. ألم ينظر إلى جيرانه في الطابق وقد أنهكهم الإعياء والمرض فجعل أرواحهم ذابلة مستسلمة. إن أعراضه مختفية ويشعر في نفسه طاقة الشباب، ذلك الذي اختفي كطرفة عين.

استأذن في الخروج فأوصته الممرضة وموظف الاستقبال ألا يبتعد ويتخطى السور. لكنه جاوز السور وأخذته الخُطى، يملأه الحماس والفكر .. شريط آلامه وآماله، ضحكه ومزاحه، بكاءه وأحزانه.

كل شيء لا يمكث طويلًا، ولا شيء يستمر على حاله، هذا أجمل وأصعب ما في الأمر، تحدث إلى نفسه بهذا الكلام بعد أن قطع شوطًا. رمى بصره فأدرك أنه قد ابتعد كثيرًا، لدرجة أنه لا يعرف أين اتجاه الدار فقد انعرج وانعطف وصعد وهبط كثيرًا.

ذهبت الطاقة والحماسة، يشعر الآن بورطة، أين اتجاه الدار، فلا طريق مطروق يمكن اتباعه ولا مارة في هذا المكان فيسألهم .. لا هاتف لديه، لا أحد يمكنه مساعدته نظر حوله .. أين أنا؟

بعد خطوات هناك تلٌ مرتفع بالتأكيد بوسعه أن يرى الدار، يمكنه حينها أن يقصد الدار بأقصى ما تبقى من طاقته. صعد التل سريعًا، رمى بصره فوجد دارًا بيضاء تنفس براحة. استدار الناحية الأخرى مادًا بصره فرأي دارًا بيضاءً أخرى .. أيهما هي الدار .. كيف يتخذ القرار. سمع أحدهم يتحدث ذات مرة عن علم ممزق فوق الدار يريدون أن يستبدلونه، أمعن النظر على الدارين الأبيضين، لكن لا وجود للعلم ولا ساريته على أي من الدارين.

الدور متشابه في هذا التجمع السكني، كانت تلك أحد مزايا الدار إلى جانب المساحات الخضراء الواسعة.

كيف يصل إلى الدار وكيف السبيل.

لكن ما الفرق بين أن يصل إلى أي من الدارين ما دامت ذاكرته مثقوبة هكذا؟

لا بد أن يعصر ذهنه؛ لا وقت لأي تفكير سلبي. فهو بحاجة إلى تناول دوائه في موعده وهو الآن يشعر بالجوع.

الطريقة الوحيدة هي أن يتخذ قراره ويمضي إلى أي من الدارين. مضى مسرعًا جائعًا متعبًا لكن خوفه من الظلام - الذي اقترب - منح رجليه سرعةً تعجب لها. مضى في الطريق الذي اختاره، لم يتعرف على أي شيء في الطريق ولم يرَ أثرًا لقدميه على العشب ومع ذلك أصر على استكمال الطريق نحو الدار الذي استقر رأيه عليه.

وعندما وصل قبيل البوابة كان قد أدرك تمامًا أنه قد أخطأ، لا يحس بأن تلك المعالم هي معالم الدار، ولا يشعر بحنين لدارٍ سكنها.

دلف إلى الدار عابرًا البوابة بيأس تام. دخل فاحصًا موظفي الاستقبال فوجد نفس الموظف الذي استأذن منه، لم يعبأ لكلام الموظف وأسئلته. مارًا في الصالة رأي سيدة تشاهد التلفزيون كما تركها على نفس الجلسة.

إنه متيقن من أنه قد اتخذ طريقًا خاطئًا ودخل إلى الدار الخطأ، إلى أنه استراح إلى فكرة أنه قد وصل على أي حال.