الخميس، 13 أكتوبر 2011

الشَّــــــــــــــــــــج


الأنثى

حرصت على الحفاظ على نجاحي؛ ها هي الشركة تستحوذ على صفقات تصدير واستيراد في شمال أفريقيا، وقبرص، واليونان.

يهاتفنى أحد المسؤولين في أحد السفارات بشأن صفقة ما وعندما ينتهي، أفاجأ بشهد تحدثني عن السيارة التي أحضرتها، وعن مدرسي عُمر الخصوصيين. أصبحت كل مشكلة شهد (إشمعنى؟) ولم تدرك أنه السؤال الذي أخرج آدم من الآمال، عندما أوعز إليه إبليس "وإشمعنى الملائكة يخلدوا في الجنة". جنة الخلد

ودخلت في صفحة جديدة من العلاقات الأسرية؛ صفحة الغيرة الأنثوية ولم تكن آمال متنزهةً عن الأعيب النساء لكنى أدركت

تنظر إلى الأمر من زاوية مختلفة فهي تعتبر شهد انها" انفريور" بالنسبة لها أي أدنى منها ذلك التعبير الذى يكثر استعماله في

الأوساط التي نعيش فيها فآمال تعاف حتى بدلتي أو قميصي الذي لمسته شهد. بل إن الأمر تطور لديها ليشملني أنا !

فكانت آمال تتكلم أول ما تتكلم عن الحمام الذي أعدته بنفسها كي أتخلص مما عَلِقَ بجسمي من رائحة شهد ! واستدرجتني الأيام إلى تفاهات النساء ومكرهن. كنت أتعجب كثيراً حين أقرأ أن الملك "هنري الثامن" حول المذهب في انجلترا من المذهب الكاثوليكي إلى المذهب البروتستانتي من أجل أن يتزوج بامرأة ويطلق أخرى وأن ملوكا سادوا ملايين الأنفس واهتزت لهم أركان الأرض و أنبياءَ وقادةَ جيوش وأمراءَ وعظماء قد أثرت فيهم امرأة أو غانية وحولت مسار حيواتهم أو كدرتها أو لونت طرقهم ومهدته...هذا المخلوق الذي يتلوى لحمه ويتكوم ليشكل ثدياً ويحتل فرجه منتصف جسده ليتسبب في شرخ عميق في طموح الرجل فتتشكل حياتهم حيث يهوى وحيث يميل.إن الإنسان الذي كان يفكر أن تكون له القربى من الصانع يقتبس من نوره ويعيش في ظلاله رغداً ومنعما، اكتفى بأن يلقى في هوة الأرض السحيقة ليعيش على الأديم ويفكر أغلب وقته فيما يفكر فيه هوام الأرض ودوابها. اكتفى بهذا ولم يعلم أنه كان بإمكانه أن يطأ النجوم وأن يعيش كالنور في كون الله الرحب. كل ذلك بسبب هذا المخلوق .

لكم كانت نظرتي غريبة وطموحي كبشر من صلب آدم بلا حدود؛ فاستدركته حقارة النساء إلى هاوية السديم الأرضي. لكنى كنت أستفيق بين الفينة والأخرى فاشترك في تبرعات الجمعيات والنوادي الخيرية فبدلا من الغرق في الشرنقة الأسرية، وما تبعث على النفس من رائحة العرق المتفصد، واللزوجة، والتفاهات المقيتة والتفاخر المتسلط، والمهاترات، وغلبة العتمة على النور، وتفخيم أتفه الأمور؛ أستطيع الفكاك -- ولو لسويعات قليلة-- إلى رحابة نور الخير، وطُهر البر، وخضرة الإحسان لكن رغما عنى أجد الجزء العفن منى يشدني إلى الشرنقة السحيقة لأسترجع نفس العبث وكأني في كل حين أنعى إلى نفسي بأن يكون لي جهاز تناسلي!



***

أنا

علَّمتني أيام المستشفي كثيراً، ورأيت نفسي بعدسةٍ مكبِّرة. هربتُ من رومانسيتي المزيفة وادعائي صفاء النبوة ووفاء الصِدِّيقين. ونزلتُ لألاقي نفسي في نُزُل الأنذال ودَرك الجَشع السُفليّ. فلم يكن "أشرف سليمان" وحده الشيطان الآبق الذي غَشَّ وزوَّر ثم اغتني فبطر ثم استكبر لكني كنتُ أحايين كثيرة خَنزباً وإبليساً ووغداً يري نفسه ذكر القبيلة يلف حبال الحب حول طامحات الزواج من ثري مثلي ويتركهن في عذاباتهن. صحيحٌ أني كنتُ أشك في تعلقهن بي، لكني كنت أستعذب رؤيتهن في بسمة التمني وشبق القرب. وكأنني كنت أتسائل أين كان هؤلاء الفتيات أيام الجامعة والتية في ملكوت الفقر المتأرجح صعوداً وهبوطاً؟

رضيتُ لأشرف بمقعد الهزيمة والتبعية في الجنوب، يزرع في أرضٍ أشعره أنها شراكة بيننا في حين أنني في عني عن قروش الشراكة. لكأنه هدف الإذلال وتعويضٌ لما فعله أيام الضياع، تِهتُ بما عندي وانعزلت عن أناس ٍ رجعوا من تجاربهم منكسي الرأس. كانوا يظنوا أني الحضن الواسع الذي يغفر صغار الخطاء ويشملهم بيد العون. لكني في الصحاري القفر تركتهم، وملئت بالحسد أعينهم، واعتقدت أن هذا كان عن غير قصد مني. وكأني لم أتعمد دعوة المحافظ ومسئولين كبار إلي بيتي وإلي نفس المكان – علي المقهى القديم – وكأني كنت أقول هاأنذا، وأين أنتم يا من كنتم تُفاخِرون بسقط المتاع في ليالي البحث عن قشة نجاح؟!

ادعيتُ عدم رغبتي في الزواج بأخرى حين طَلَبَت "آمال" ذلك لأول مرة. لكني كنتُ ألمح إلي ذلك بمكرٍ تعجز أباليس الجنِ عن تدبيره. فما بين فيلمٍ نشاهداه معاً تتشابه قصته مع رغبتي فأتذمر تاركاً الفيلم، إلي كتابٍ أدسه في طريقها، إلي امرأة صديقٍ أتحدث أمامها بشأن الزواج والإنجاب في ألم وأنا أعرف مسبقاً أنها ستنفذ خطتي بكل هدوء وخِفة، إلي مداعبتي لأطفال الجيران في طريقي من باب العمارة إلي السيارة – مع علمي اليقيني أن آمال تنظر إليَّ من الشرفة – بعد خروجي من البيت واجماً على غير العادة! وما بين هذا وذاك يعجز إبليس ذاته عن تنفيذ خطة مُدَبَّقة كهذه.

كنت أفعل ذلك عن شكٍ قارب اليقين عندي، بأن الحياة من حولي تمثيلية كبري. فليس ما أراه من "آمال" إخلاصاً أو حباً صَرفاً. إنما درع أمان تحتمي به من مغبة تطليقها بعد أعوامٍ من عدم الإنجاب. وأختي التي كانت ترسمني فارساً في كراساتها، كانت تنتظر من عربون ذلك. واليوم تُربّي وترسم أولادها علي صورتي – وتقول إليَّ ذلك بين الحين والآخر – لتنتظر عربوناً أكبر! وأمي التي ترفع يديها بالدعاء في حضوري وغيابي، إنما تعرف أنني بر النجاة الوحيد لها من براثن الفقر والعوز، وأنها تفعل ذلك رغبةً في مفاخرة جاراتها، ومحو صورة الفقر التي رأينها أخواتها عليها هي وزوجها الذي تعثرت معه الحياة حيناً من الدهر. وأن "أشرف سليمان" عندما رجع ثانيةً في مسوح الصِدِّيق لأنه كان يعرف انه سيحتاجني، وان دموعه في حضني كانت كدموع أخوة يوسف. أما "شهد" فهي تَدَّعي أنها تبيت الليالي التي اذهب فيها إلي "آمال" ودمع اشتياق تترقرق بين جفنيها، في حين أنها تنفق ميزانية سنوية لحكومة جزيرة إفريقية في شهر. حتى ابنيَّ "عمر" و "عمرو" حتى أبي .....

كل من اتجهت إليهم أوقات الأزمات، كانوا يزغردون لرؤيتي نَكِداً، يظهر ذلك أحياناً علي وجوههم. حتى من يحزنوا حقاً، كانوا يحزنوا لشئ مسهم، لكنهم لم يتكلموا أمامي عنه فتكون طمأنتهم وتهوينهم تهويناً لجراحهم الذاتية.

تلك الأفكار السوداوية وغيرها تراودني بين الحين والآخر، تجعل مني صنماً بلا شعور، وجسداً بلا روح، فلا مبادئ أو ضمير ،ولا خوف من آخرةٍ أو أولى، وريبٌ بعد ريب. لا قيمة للحياة ولا عِبرة في الموت، وسخطٌ علي كل شئ. أمشي في طريقي ، أنظر إلي السماء وغلي خضرة الشجار، المباني الشاهقة، العمال والساقطات في الطرق يعرضون أجسادهم لمن يشتري، والبائعون يصيحون لأجل نقود تُسكت أفواه أولادهم وتضمن ولاء الزوجات. واردد في نفسي، كلنا هذا العامل أو تلك الساقطة وذلك البائع. ولماذا ترتفع السماء في علوٍ، وتهتز الأشجار لدغدغة النسيم الكاذب، وتزقزق العصافير كي يُحض لها العائل مأويً وحمايةً مقابل ان يعتلي ظهر عصفورته الملتفة القوام!

لكني علي إثر مكالمة تأتيني، أو رؤيتي لفتاةٍ تهتز في الطريق، أو حادثة في الطريق ادخل غِمار الحياة تاركاً قصريَّ العاجي المزيف لتتراوح كلماتي بين الصدق والكذب، ومشاعري بين الزيف والحقيقة، وشهوتي بين الارتفاع والانخفاض ورجولتي بين الشهامة والرياء. أدور وأدور ويأخذني نداءُ مسجدٍ يجيء من بعيد، فأسأل نفسي هازئاً إن كان المؤذن علي وضوء، أطرد وسواسي واركن السيارة واضعا فيها المحفظة والمحمول والجاكيت، لأذهب طامحاً في خلع كل ما يشغلني عن صلاتي _- كما خلع موسي نعليه. وقبل أن أدخل المسجد – ظاناً أنى خلعت جسدي وكل ما يخصني بالدنيا – أتأكد جيداً من أن مفاتيح السيارة وولاعة السجائر في الجيب الخلفي للبنطلون!











ليست هناك تعليقات: