كنتُ أجلس على حافة الطريق المؤدي إلى المدرسة منتظراً عودة أخي لكي يقودني إلي البيت بعد أن أنهي اليوم الدراسي... أجلس مع أصدقائي فيتكرر الكلام، وأشعر بأن أذني وفمي قد أخذا كفايتهما؛ أود اطلاق عينيَّ إلي السماء لأرتادها متجولاً في زرقتها بين نجومها وكواكبها أو أري وجوهاً وزهوراً. لا أستطيع – كبقية خلق الله — أن أمارس نعمة "أفلا تبصرون"، ولا يمكنني أن أحدد الزمان الذي أرتاد فيه مكانًا ما إلا بعد عطف أخٍ او صديق – لطالما أسمع نفخه المتذمر حتي لو بَرِعَ في كتم صوته بين ضلوعه فيظهر جليًا في صمته أو كلامه. لا أزال أذكر عندما تبولت على نفسي أثناء نومي في بيت جدي – عهدةً تركوني بين يدي جدي وجدتي، حين ذهبت الأسرة مرافقةً والدي في العملية التي يجريها في مستشفي العاصمة. صحوت من نومي لأجد نفسي مبتلاً مذعوراً علي إثر حلم مزعج، وحين سألتُ جدتي عن الماء الذي تُحرق لذعوته ركبتيّ أجابتي بأن الماء قد سكبته عليّ إبنة خالتي الصغيرة بغير قصد! حينها وأثناء مصمصة الشفايف، وصوت تحريكها من اليمين إلي اليسار أسمعها وضحكة ابنة خالتي تملأني خجلاً، انتفضت لأواري سوءة ما حدث ثورةً علي ما حدث لأصطدم بالحائط فيدمي رأسي وتضحك البنت الصغيرة بصوت عال وتتمتم جدتي بأن شيئاً لم يحدث وتنهر البنت الصغيرة التي لاذنب لها سوى أنها ضحكت علي أعمى غبي. هدأتني جدتي وصمتت البنت الصغيرة وربتت علي كتفي. لكن أشياءً كثيرة لازمتني من يومها أولها الإحساس بالعجز!
في آخر النهار، يأتي اخوتي ووالدي من العمل. أحس بأني عالةً عليهم، حتي في الذهاب إلي الحمام. كنت أجد مشكلةً في الأكل والشرب واللبس، كنت أعاني من تلك الأمور أكثر ما أعاني عندما كنتُ في الثامنة عشر، إذ أنني أحس بالنشاط في جسدي غير أني أتصور ذلك العصاب المجهول الذي يُغشي بصري فتُكبت قوة الانطلاق الكامنة فيَّ كغيرها من القوي الغريزية.
الآن سيتغير كل شئ، فهذا الطريق إلي المقهي قد حفظته نعم أعرفه جيداً وأستطيع الذهاب بمفردي دون أن أسمع أخي يقول لأمي -- التي تتوسله لكي يقودني "صحيح ... أقرع ونزهي، فاضيله أنا؟!". صحيحٌ أني في أول مرة قررت فيها الذهاب إلي المقهي بمفردي، دخلت حارة جانبية بجوار المقهي، إلا أن ذلك كان نتيجة سوء تقدير مني لأني لم أركز جيداً.
أتراني أستطيع الذهاب إلي بيت جَدي بمفردي؟### .../7/2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق