الاثنين، 11 ديسمبر 2017

عن أدوات التيار العلماني في مواجهة التيار الإسلامي في مصر - 1

ينقسم التيار الديني الإسلامي الرئيسي - في مصر وغيرها من الدول التي يدين أغلب سكانها بالدين الإسلامي - إلى ثلاث جهات رئيسية هي الإخوان المسلمين والسلفيين والمؤسسات الرسمية الدينية المرتبطة بالدولة. تتصارع تلك الجهات فيما بينها للحصول على أكبر قدر من العامة في ركابها. يتخذ هذا الصراع -  إن جازت التسمية - قطاع عرضي وقطاع طولي. بمعنى أن الجهتين الأوليين تسعيان إلى اختراق المؤسسات الرسمية رغبة في تشكيل المحسوبين على المؤسسة الرسمية الدينية - الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف في الحالة المصرية - حسب أفكارهما وتوجهاتهما وأهدافهما هذا هو القطاع العرضي. أما القطاع الطولي فهو رغبة الجهات الثلاث في اجتذاب أكبر قدر من المتأثرين في الشارع المسلم من غير المنتمين أصلاً لأي من الجهات.
أما التيار العلماني - إن جازت لنا التسمية - فهو يخشى التصريح بمفرادته الأصيلة خوفًا من الجهات الثلاث. رأينا في الانتخابات والأحداث التي تلت 25 يناير 2011 وتنحي الرئيس مبارك أن التيار العلماني يستخدم كلمة "مدنية". فكلمة العلمانية في حد ذاتها قد نالت في الإعلام الرسمي والخاص هجومًا مسبقًا واتهامات جاهزة.

 الأزهر
تنفق الجهات التابعة للمؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها الأزهر على تابعيها ومؤسساتها بفضل الميزانية الكبيرة 7 - 9 مليار جنيه سنويًا إلى جانب المنح والتبرعات من الدول الإسلامية. أتاح هذا للأزهر التوسع في التعليم الأزهري الذي يدرس فيه الطلاب علوم الفقه الإسلامي والشريعة والحديث وغيرها، ويحفظ الطلاب في مقرارتهم أجزاء من القرآن بحيث يكون الطالب حافظًا للقرآن كاملًا عند المرحلة الجامعية. واعتمد الأزهر، منذ دخول الكليات العلمية إلى مقرراته في ستينيات القرن الماضي، سياسة التوسع في المعاهد الأزهرية وفروع جامعة الأزهر في المحافظات المختلفة إلى جانب مساهمات أهلية في إنشاء المعاهد الأزهرية التي تجتذب الطلبة بتخفيض كبير في مصروفاتها ودعم مادي للطلبة وإن كان بسيطًا إلا أنه لأسر كثيرة فقيرة دعم ورفع لبعض الأعباء. من الأمور الأخرى التي يجب الإشارة إليها هو أن الطالب الأزهري المتوسط يمكنه بأي مجموع في الثانوية الأزهرية التوجه إلى كليات وجامعات ومعاهد الأزهر العليا التابعة لجامعة الأزهر ومؤخرًا يمكنه أيضًا الانضمام إلى معاهد التعليم العالي الحكومي والخاص.
وحتى إن كان هذا المد الطولي للتعليم الأزهري والنفوذ الأزهري يشهد تقلصًا

حيث رصدت وزارة التربية والتعليم فى إحصائية لها أن عدد الطلاب الذين انتقلوا من اﻷزهر إلى التعليم العام وصل إلى 70 ألف طالب خلال عام 2015-2016 إلا أن عدد المنخرطين في التعليم الأزهري في العام 2017 بلغ 2 مليون طالب وهو رقم كبير للغاية في مستوى تعليمي معروف لدى المصريين بأنه منخفض حيث بلغت نسب نجاح طلاب الثانوية اﻷزهرية العام قبل الماضى -2015 - إلى 28 %.

وبعيدًا عن التعليم وهو مصدر النفوذ الأقوى لشيخ الأزهر - رأس هذه المؤسسة - فإن نشاط شيخ الأزهر أحمد الطيب يلمح إلى أن للرجل شخصية مختلفة عن سابقه محمد سيد طنطاوي. ففي العام 2010 قدم أحمد الطيب للرئيس مبارك استقالته من الحزب الوطني الديموقراطي. وجدير بالذكر أن أحد ممثلي تيار العقل - العلمانية - الشاعر والكاتب أحمد عبد المعطي حجازي قد امتدح هذه الاستقالة واعتبرها بداية لفصل الدين عن الدولة وقال عنها: "وهذا هو الدرس الذي لابد أن يكون الدكتور أحمد الطيب قد تعلمه في جامعة السوربون. أن الحياة الدنيوية لاتستقر علي حال واحد, ولا تنحبس داخل اطار مغلق, وإنما هي تيار متدفق يتحول ويتغير علي الدوام, فلا يمكن اخضاعها للمطلقات التي لابد منها في الحياة الدينية. واذا كان الوحي هو طريقنا لمعرفة الدين, فالعقل هو طريقنا لمعرفة الدنيا. والفصل إذن بين الدين والدولة مبدأ من المبادئ التي عرفها الدكتور أحمد الطيب في فرنسا عن قرب, ولمس دورها الفعال في توطيد أركان الحياة الديمقراطية, وتحرير العقل, وبناء مستقبل أفضل. ومن هنا رأي ألا يجمع بين مشيخة الأزهر وعضوية المكتب السياسي للحزب الوطني. لأن النشاط الديني يجب أن يبرأ من أي تفسير سياسي او حزبي. ولأن النشاط السياسي او الحزبي يجب أن يكون اجتهادا ديمقراطيا مفتوحا للجميع, وليس املاء من سلطة او جهة تزعم أنها تتحدث باسم الله!". انتهى كلام حجازي. ورأي الشخصي في شيخ الأزهر أن الرجل محافظ متدين يعرف عنه الالتزام الديني والكرم حيث ورث الرجل الثري عن والده الكثير ويلتزم خلال زياراته بمظاهر الكرم البالغ لزواره وهو وريث الطريقة الأحمدية الخلوتية عن والده. فالرجل مالكي صوفي كانت رسالة الدكتوراه في جامعة السوربون بباريس عن محي الدين ابن عربي الصوفي الشهير، وهو أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر سابقًا يرى أن "النقاب ليس فريضة لكنه مباح وأن الحجاب فرض". لكننا نعرف أن نشأة الرجل في جنوب مصر ومحيطه العائلي ودراسته ورسالاته الجامعية وكتبه وتصريحاته الرسمية وواجباته التي يفرضها المنصب الكبير فهو "إمام المسلمين" والمفتي السابق - كلها عوامل أثرت في شخصيته ولا بد أن المناصب والوضع الاجتماعي قد أكسباه سياسة وفنًا في التعامل والإمساك بالعصا من المنتصف فهو يقول في فض المعتصمين في إشارة رابعة العدوية من الإخوان وأنصارهم بعد خلع مرسي: "إن الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا صباح اليوم، ويحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء". هذا رجل لا يريد أن يغضب الشارع الديني الذي يشكل المتعاطفون مع الإخوان جزءًا كبيرًا إلا أن الرجل يرفض تكفير داعش ويدافع عن محمد عمارة - رئيس مجلة الأزهر وحسن الشافعي - رئيس مجمع اللغة العربية - المنتميان فكرًا إلى جماعة الإخوان والذين أصدرا تصريحات مضادة لما حدث في 30 يونيو. نفهم الآن أن الإخوان قد اخترقوا الأزهر والرجال الملتفون حول شيخ الأزهر قلوبهم معلقة بفكر الإخوان بل أن الشيخ نفسه 

أشاد بالقيادي الإخواني الراحل سيد قطب، في كتاب جديد بعنوان "التراث والتجديد مناقشات وردود"، نشر في مجلة الأزهر بتاريخ 24 يناير 2015.

وقال شيخ الأزهر نصًا: "قُلْ مثل ذلك عن الأستاذ سيد قطب وكتبه التي ألفها ليصور عدالة الإسلام الاجتماعية التي تقف دونها الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية".

وتحدث الطيب في مقدمة كتابه الجديد عن مساوئ النظام الاشتراكي الذي تبنته مصر في ستينيات القرن الماضي، موضحا أن الأزهر في مصر الاشتراكية كان يُعاني من التضييق ومن سلب الاختصاصات, ومن سجنه في زاوية العبادات فقط, وحرمانه من جماهيره ومحبيه ومريديه من المصريين ومن المسلمين عامة. وقال أن النظام المصري في عصر عبد الناصر أتاح كتب الشيوعية بقروش قليلة للغاية للجميع.

وتابع: "نحنُ نعتقد أن إقصاء الأزهر في ذلك الوقت سياسيّا واجتماعيا وشعبيا, لم يكن - بكل تأكيد - أمرًا سهلاً على نفوس المسؤولين المصريين أنفسِهم, ولكنَّه كان- في أغلب الظن- أشبه بما يسمى الآن بالمواءمة التي تفرضها ضرورات التحوّل السياسي والاقتصادي, وما تقتضيه ظروف التحول من غض للطرف عن اللوازم الفلسفية والأيديولوجية لهذا المذهب أو ذاك".

وأضاف: "هكذا عشنا نحن طلاب الأزهر في هذه الحقبة, تهب علينا الرياح الثقافيّة العاتية من شرق أوروبا وغربها, وكنا بين طريقين: إما فتح النوافذ لهذه الرياح ومعاناة الاغتراب, وإما الانغلاق في مقررات التراث ومعاناة الاغتراب كذلك، ولم ينقذنا من هذا الصراع إلا هذه النخبة من عظماء مفكري مصر, الذين صمدوا لهذا الفكر الوافد من شرق ومن غرب, وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضًا, وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت في هذه المذاهب, وكيف أنها «مذاهب هدامة». وذكر الطيب من هؤلاء المفكرين؛ عباس العقاد ومحمد البهي والشيخ محمد الغزالي وسيد قطب والسيد محمد باقر الصدر بالعراق". الرجل يرى لا عيب في الإخوان سوى تشددهم قليلًا".
وفي موقف أخير حينما طالب الرئيس السيسي علنًا من شيخ الأزهر دعمه في ألا يكون وقوع الطلاق إلا رسميًا أمام المأذون لا طلاقًا شفهيًا لأن لم يبد الرجل ليونة وخرج ببيان هيئة كبار العلماء - الهيئة التي شكلت في 2012 باعتماد من الرئيس الأسبق محمد مرسي والتي يغلب عليها الطابع الإخوان فمحمد عمارة وحسن الشافعي المذكوران أعلاه من أعضاءه والذي جاء برد مفحم ومحرج للرئيس السيسي رغم وجاهة رأيه وحديثه ومنطقه حين طالب شيخ الأزهر مداعبًا له أمام جمع رسمي كبير. خلاصة الأمر الرجل يعرف أن يذهب التيار الرئيسي للشارع ويحاول ألا يخالفه بكل ما أوتي لأن ذلك من شأنه إضفاء جماهيرية شعبية له لا يمتلك الجرأة ولا الرغبة أصلا في معارضة الدين الشعبي الموروث عن فقهاء القرون الأولى حتى لو كلفه ذلك الصدام مع رئيس الجمهورية. وما يهمه في ذلك فالرجل منصبه محصّن ضد التغيير وهو سلطة ذاته ومنتخب من داخل الأزهر لا يجوز تغييره حتى وفاته، كانت تلك الصلاحيات إلى جانب تشكيل هيئة كبار العلماء من الأمور التي رسخت منذ الدستور الإخواني السلفي حتى بعد تغييره.
مفاتيح الإمام أحمد الطيب هي:
1. السعودية - لأنها المساهم الأكبر في التبرعات والمنح للأزهر وشيخه وكبار علمائه - ولما لها من مهابة في قلوب المسلمين لأن مكة والمدينة هما الأرض التي عاش عليها النبي محمد وهي المغدق الأكبر على بناء المساجد ونشر الإسلام ومذهب المملكة في بقاع العالم الإسلامي إلى جانب نفوذها الإعلامي والمالي الكبيرين. وهذا ما تشير إلى رسالة سربها موقع ويكليكس ضمن 70 ألف رسالة مسربة عن الخارجية السعودية. فشيخ الأزهر يستشير السعودية في الحوار بين المذاهب والمقصود هو المذهب الشيعي الذي تتخوف السعودية من نفوذ إيران داخل الدول الإسلامية بانتشار المذهب. التسريب الذي لم ينكره الأزهر.
موقف آخر يشير إلى أن السعودية هي أحد مفاتيح شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب: هو مؤتمر جوزني لأهل السنة الذي استبعد السعودية من أهل السنة فبعد مشاركة شيخ الأزهر في المؤتمر قال أن المشاركة ليس المقصود بها استبعاد السلفيين وأنه غير مسؤول عن البيان الختامي للمؤتمر. لذا فإن شيخ الأزهر يتجنب أي مظاهر لعداء الإخوان لأنهم ضمن هيئة كبار العلماء ويسيطرون على قطاع عريض في الشارع الديني ويتجنب أيضًا أي مظاهر لعداء السلفيين - وكلاء السعودية والمذهب الوهابي الحنبلي في مصر - حتى وإن أدى ذلك إلى رفضه تكفير داعش - النسخة الأصيلة من السلفية والوهابية والحنبلية عمومًا - التي أحرقت البشر وسبت النساء واعتدت على الأرواح والممتلكات وكفرت الجميع.
2. منصب شيخ الأزهر نفسه: تفرض المناصب على الإنسان ميلًا إلى تعزيز المنصب وإضفاء المهابة حوله. فالأزهر هو المؤسسة الأكبر في العالم الإسلامي رغم أن السعودية هي أرض ومنشأ الإسلام. لذلك لن يضحي الرجل بسمعته وسط الشارع الديني خوفًا من أي جهات عليا فمنصبه محصّن وسلطته معززة ومكانته في نفوس المسلمين متأصلة حتى وإن حاول السلفيون والإخوان التقليل من شأن الأزهر وإظهار شيخه ومؤسساته في صورة المتهاون في الدين المنصاع للسلطة. لأنهم في الأساس في حوض المنافسة ذاته وهو التأثير على القطاع العام والتيار الرئيسي في الشارع المسلم. وتغلب على أصحاب المناصب الميل إلى تفادي المنزلقات الخطرة وتوخي السلامة في المعتاد من أمر الناس والجنوح إلى القديم والمعتاد فسطوة التدين الشعبي والتيارات التي أثرت على منابر الدعوة ومنافذها المختلفة تمنع صاحب المنصب عن إحداث أي تغيير ملحوظ في مفهوم المؤسسة الدينية لدى العامة. لذا لن يتمكن الرجل - حتى وإن توفرت الرغبة - من التغيير في تلك الأمور والخروج من القديم والمعتاد، طالما أن سلطته محصّنة.







ليست هناك تعليقات: